يعدّ الحجّ والعمرة من الشعائر العظيمة؛ فقد شرع الله -عزَّ وجلَّ- للمسلمين أداء مناسك الحجّ والعمرة، قال تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)،[١]، وآتيًا بيانٌ وتفصيلٌ لحكم كلٍّ منها.


حكم الحج والعمْرة

حكم الحجّ

يعدّ الحجّ فريضةً من فرائض الإسلام، وأحد أركانه الخمسة، وحكمه أنّه فرضٌ على كلّ مسلمٍ قادرٍ بالغٍ عاقلٍ مرةً واحدةً في العمر، وقد ثبت وجوبه والأمر به في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وفيما يلي ذكرٌ لبعض هذه النصوص:[٢][٣]

  • من القرآن الكريم قوله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)،[٤] وقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).[٥]
  • قول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ".[٦]
  • وممّا يدلّ على أنّ الحجّ لا يجب على المكلّف القادر إلاّ مرةً واحدةً، ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتَّى قالَهَا ثَلَاثًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لو قُلتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قالَ: ذَرُونِي ما تَرَكْتُكُمْ، فإنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ بكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشيءٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ، وإذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَدَعُوهُ".[٧]


حكم العمْرة

اتّفق أهل العلم على مشروعيّة العمرة، واختلفوا في وجوبها على قولين، بيانهما آتيًا:[٨]

  • القول الأول: أنّ العمْرة واجبةٌ على المسلم في العمْر مرَّةً واحدةً، وهو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلّوا بعدّة أدلّةٍ، يُذكر منها[٨][٩]:
  • قوله الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)؛[١] ومعنى الإتمام الإقامة؛ أي أقيموا الحجّ والعمْرة، ويفهم أيضًا من الآية الكريمة أنّّ الله -سبحانه وتعالى- قرن فيها العمْرة بالحجّ، والحجّ واجبٌ بإجماع أهل العلم، فكذلك العمْرة، وهذا الفهم نُقل عن ابن عبّاس-رضي الله عنهما- من قوله: "واللهِ إنَّها لَقَرينَتُها في كتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)".[١٠]
  • ما روي عن أبي رَزينٍ أنَّه قال: "يا رسولَ اللَّهِ إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ الحجَّ ولا العمرةَ والظَّعنَ قالَ حُجَّ عن أبيكَ واعتمِرْ"،[١١] وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت:"يا رسولَ اللَّهِ على النِّساءِ جِهادٌ؟ قالَ: نعَم، عليهنَّ جِهادٌ، لا قتالَ فيهِ: الحجُّ والعُمرَةُ"،[١٢] وقولُه: "عليهِنَّ" ظاهِرٌ في الوجوبِ، وعلى هذا فالعمْرة واجبةٌ.
  • القول الثاني: العمْرة سنَّةٌ مستحبَّةٌ، وهو مذهب الحنفيّة والمالكيّة، واستدلّوا بعدّة أدلةٍ، منها ما يلي:[١٣]
  • ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ العُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ".[١٤]
  • الأصل عدم الوجوب إلاّ بدليلٍ يثبت به التكليف، ولا دليل يصلح عندهم للدلالة على الوجوب، ولعدم ذكر العمرة في آية وجوب الحجّ من قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)؛[٥] ولفظ الحجّ لا يتناول العُمرة، وقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)؛[١] يقتضي إتمام الحجّ والعمْرة بعد الشروع فيهما، وإيجاب إتمامهما بعد الشروع لا يقتَضي أنّ العمرة واجبةٌ ابتداءً.

المراجع

  1. ^ أ ب ت سورة البقرة، آية:196
  2. مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 171. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 23. بتصرّف.
  4. سورة الحج، آية:27
  5. ^ أ ب سورة آل عمران، آية:97
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:8، صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1337، صحيح.
  8. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 314. بتصرّف.
  9. "حُكْمُ الحَجِّ والفَوْر والتَّراخي فيه، وحكم جاحده، وحُكْمُ العُمْرَة وتَكرارِها"، الدرر السنّية، اطّلع عليه بتاريخ 27-10-2021. بتصرّف.
  10. ابن حزم، المحلى بالآثار، صفحة 10.
  11. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبو رزين العقيلي لقيط بن عامر ، الصفحة أو الرقم:2636، صحيح.
  12. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2362، صحيح.
  13. عبدالله بن صالح القصيِّر (25-10-2011)، "تعريف العمرة وحكمها"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-10-2021. بتصرّف.
  14. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:931، حسن صحيح.