الحلف هو استخدام القَسَم واليمينِ بالله -عزّ وجلّ- أو صفاته؛ لإثبات صحة الكلام لدى المتحدّث وتأكيده، وتكون أيضًا باستخدام حروف الواو والباء والتاء؛ فيقول الحالف: والله فعلت كذا، وتالله وبالله فعلت أو قلت كذا.[١]


ما حكم الحلف بالله ثم التراجع؟

أباح الشرع للمسلم التراجع عن يمينه والحنث بها؛ أي عدم فعل ما حلف عليه، خاصّةً إذا وجد في غير ما حلف عليه فضلًا وخيرًا أكثر ممّا حلف عليه؛ وذلك لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "مَن حَلَفَ علَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ، ولْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ. [وفي رواية]: فَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ، ولْيَفْعَلِ الذي هو خَيْرٌ"،[٢] إلا أنّه يلزم الحانث بعد التراجع عن يمينه كفارة يمين.[٣]


أحكام كفارة الحنث باليمن والتراجع عنه

إنّ القول بترتّب الكفارة على اليمين يستند إلى نوع اليمين الذي صدر عن الحالف؛ ولذا لا بُدّ من بيان أنواع اليمين لتحديد ما يترتّب على كلّ واحدٍ منها.


أنواع اليمين

تنقسم الأيمان في الشرع إلى ثلاثة أنواعٍ، ولكلٍ منها حكمٌ، وهي على النحو الآتي:[٤]

  • اليمين المنعقدة: هي اليمين التي يحلفها المسلم على فعل شيءٍ أو تركه في المستقبل، ويباح للمسلمِ الرجوع عن هذه اليمين إن رأَى خيرًا منها، ويلزمه إذا تراجع عن يمينه أداء كفّارةٍ قال الله تعالى في سورة المائدة: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).[٥]
  • اليمين اللغو: وهي اليمين التي يحلفها المسلم على أمرٍ وهو يظنّ أنّه صوابٌ ثمّ يتبيّن له أنّه خلاف لما ظنّ، وهذه اليمين لا يُؤاخذ بها صاحبها، ولا يترتّب عليها كفّارةٌ عند جمهور الفقهاء، قال الله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ).[٦][٧]
  • اليمين الغموس: وهي أن يحلف الإنسان على أمرٍ ما كذبًا، وسُمّيت غموسًا لأنّها تغمس صاحبها في النار، وهذه اليمين يأثم صاحبها، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: "من حلفَ على يمينٍ مَصبورةٍ كاذبًا فليتبوَّأ بوجهِه مقعدَهُ من النَّارِ"،[٨] ومصبورةً؛ أي لازمةً،[٩] وهذه اليمين لا كفارة لها عند جمهور الفقهاء أبي حنيفة ومالك وأحمد إلّا التوبة والاستغفار والإكثار من العمل الصالح؛ فهي كبيرةٌ من الكبائر تستوجب التوبة والإنابة إلى الله، وهذا قول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- من الصحابة، وذهب الشافعي إلى القول بوجوب الكفارة فيها.


مقدار كفارة اليمين

كفارة اليمين ثابتةٌ في الكتاب والسنّة وإجماعِ العلماء، وقد فصّلتها الآية الكريمة في قوله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[٥] فمن تراجع عن يمينِ سواء أكانت في طاعةٍ أو معصيةٍ أو مباحٍ وَجب عليه أداء الكفارة، وتكون بالتخيير في حالِ اليسر بين ثلاثة خياراتٍ يختار الحانث أحدها:[١٠]

  • إطعام عشرة مساكين.
  • كسوة عشرة مساكين.
  • إعتاق رقبةٍ مؤمنةٍ.


فإن لم يقدر على الإطعام أو الكسوة أو الإعتاق؛ فيجب عليه صيامُ ثلاثة أيامٍ.


المراجع

  1. ابن عثيمين، القول المفيد على كتاب التوحيد، صفحة 454. بتصرّف.
  2. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:1650، صحيح.
  3. مجموعة من العلماء (12/2/2014)، "كفارة من حلف على فعل شيء ثم تراجع عنه"، إسلام ويب ، اطّلع عليه بتاريخ 25/9/2021. بتصرّف.
  4. بدر الدين العيني، كتاب البناية شرح الهداية، صفحة 112-115. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة المائدة، آية:89
  6. سورة البقرة، آية:225
  7. "اللغو في اليمين"، إسلام ويب، 29/06/2014، اطّلع عليه بتاريخ 17/10/2021. بتصرّف.
  8. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:3242، صحيح.
  9. الموسوعة الحديثية، "شرح حديث من حلف على يمين"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 17/10/2021. بتصرّف.
  10. وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 2576-2575. بتصرّف.