يأتي النذر في اللغة بمعنى الإيجاب والإلزام،[١] وأمّا في الاصطلاح الشرعيّ؛ فهو إلزام الشخص المختار نفسه بشيءٍ لله تعالى غير لازمٍ عليه في الأصل؛ أي يُوجب على نفسه ما لم يوجبه ويلزمه الله تعالى به، بأن يقول: لله عليّ أن أفعل كذا، ونذرت لله أن أفعل كذا.[٢]


ما حكم النذر؟

اختلف الفقهاء في حكم النذر على قولين، وبيان ذلك على النحو الآتي:

  • القول الأول: ذهب الحنفيّة إلى القول بأنّ النذر مندوبٌ؛ فهو قُربةٌ مشروعةٌ إن كان صحيحًا مستوفيًا لشروطه،[٣] وإلى هذا القول ذهب المالكيّة في النذر المطلق فقط؛[٤] وهو الذي يوجبه المرء على نفسه تقرّبًّا إلى الله تعالى وشكرًا له على ما كان ومضى، واسّتدلّ أصحاب هذا القول بأدّلة من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، والمعقول، وفيما يأتي تفصيل الأدلة:[٥]
  • قول الله تعالى في وصف الأبرار: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا)،[٦] فجاء ذكر النذر في مقام المدح.
  • ما ورد عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: "مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ".[٧]
  • قالوا أنّ الوسائل لها حكم المقاصد، والنذر وسيلة يتوسّل به إلى القُرَبُ والطاعات المختلفة كالصلاة، والصيام؛ فيكون النذر قربةً.
  • القول الثاني: أنّ النذر مكروهٌ، وهو قول المالكية في النذر المعلّق على شرط،[٤] ومذهب الشافعية،[٨] والصحيح من مذهب الحنابلة،[٢] واسّتدلّوا بأدّلةٍ من السنّة النبويِّة، والمعقول، وفيما يأتي تفصيل هذه الأدّلة:[٥]
  • ما ورد عن ابن عمر-رضي الله عنهما- أنّه قال: "نَهَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ النَّذْرِ، وقالَ: إنَّه لا يَرُدُّ شيئًا، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ به مِنَ البَخِيلِ"،[٩] ففي الحديث نهيٌ عن النذر، والناذر بنذره لا يُمكنه تغيير ما يقع، ولا إحداث شيءٍ جديدٍ، ويجب عليه الوفاء بنذره بعد وقوعه، واختلف العلماء في معنى النهي هنا، فقد حمله بعضهم على التحريم لمن يعتقد أنّ النذر يوجب له حصول غرض، أو أنّ الله يفعل ذلك الغرض لأجل النذر، فيكون في حقّ من اعتقد ذلك حرامًا.
  • قالوا إنّ ممّا يدل على كراهة النذر عدم فعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه له، فلو كان مستحبّاً لفعلوه، وعدم فعلهم يدلّ على الكراهة.


حكم الوفاء بالنذر

لا خلاف بين الفقهاء في وجوب الوفاء بالنذر إن كان النذر صحيحًا مستكملًا شروطه؛ لأنّ الناذر قد ألزم نفسه به، إلّا إذا كان نذر معصيةٍ، واستدلوا على ذلك بجملةٍ من الأدلة فيما يأتي بيانها:[٥]

  • دلّت عدّة آياتٍ على وجوب الوفاء بالنذر ومنها قوله تعالى: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ)،[١٠] وقوله تعالى ممتدحًا الأبرار: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا).[١١]
  • ما ورد عن ابن عمر-رضي الله عنهما- قوله: "أنَّ عُمَرَ، قَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْتُ في الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً في المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ: أوْفِ بنَذْرِكَ".[١٢]
  • أجمع علماء الأمّة على وجوب الوفاء بالنذر.


المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 200. بتصرّف.
  2. ^ أ ب البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، صفحة 273. بتصرّف.
  3. ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، صفحة 735. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الحطاب، مواهب الجليل شرح مختصر خليل، صفحة 319. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 138. بتصرّف.
  6. سورة الانسان، آية:7
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6696، صحيح.
  8. النووي، المجموع شرح المهذب، صفحة 450. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:6608، صحيح.
  10. سورة الحج، آية:29
  11. سورة الإنسان، آية:7
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:6697، صحيح.