حكم أكل الضب

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم أكل الضبّ، فمنهم مَن قال بجواز أكله، وهم: جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، بالإضافة إلى العديد من أهل العلم، ومنهم مَن قال بكراهة أكله، كالحنفية وغيرهم من أهل العلم، واستدلّ كلٌّ منهم بالعديد من النصوص الشرعية، ونوضّح آراءهم بشيءٍ من التفصيل فيما يأتي:


القائلون بجواز أكل الضب

ذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد إلى القول بجواز وإباحة أكل لحم الضبّ،[١] واستدلّوا بقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عندما سُئِل عن الضبّ: (لَسْتُ آكُلُهُ ولا أُحَرِّمُهُ)،[٢] وقول النبي الكريم: "لست آكله" لا يدلّ على تحريم أكل الضبّ، وإنّما كان ذلك من جهة أنّه لا يشتهيه، كما لو عاف أي أحدٍ أن يأكل اللحم أو فاكهةً معيّنة، لذلك قال النبي الكريم: "ولا مُحرِّمه"، وهذا دليلٌ قاطع على عدم تحريمه.[٣]


وقد قال النووي: "أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ أَكْلَ الضَّبِّ حَلَالٌ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَرَاهَتِهِ..."، فإن سأل أحدهم: إذا كان الضبّ غير مُحرَّمٍ فلماذا لم يأكل النبي -صلى الله عليه وسلم- منه؟ قيل له: إنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- علّل سبب عدم أكله صراحةً، فقال إنّه يعافه؛ لأنّه لم يكن في أرض قومه، والحديث التالي يدلّ على ذلك:[٤]


عن خالد -رضي الله عنه-: (أنَّه دَخَلَ مع رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فأهْوَى إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بيَدِهِ، فَقالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ: أخْبِرُوا رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بما يُرِيدُ أنْ يَأْكُلَ، فَقالوا: هو ضَبٌّ يا رَسولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقُلتُ: أحَرَامٌ هو يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ: لَا، ولَكِنْ لَمْ يَكُنْ بأَرْضِ قَوْمِي، فأجِدُنِي أعَافُهُ قالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فأكَلْتُهُ، ورَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَنْظُرُ).[٥]


ولو كان أكل الضبّ حراماً لما أكله خالد -رضي الله عنه- أمام الرسول، ولما وُضِع على مائدة النبيّ الكريم كما جاء في أحاديث أخرى، ومن الأحاديث التي تدلّ على جواز أكله أيضا ما يأتي:

  • ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: (أُكِلَ علَى مائِدَةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولو كانَ حَرامًا ما أُكِلَ علَى مائِدَةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).[٦]
  • قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن لحم الضبّ لمّا سُئل عنه: (كُلُوا فإنَّه حَلَالٌ، وَلَكِنَّهُ ليسَ مِن طَعَامِي).[٧]


القائلون بكراهة أكل الضب

نقل عياض عن الحنفيّة أنّهم يقولون بكراهة أكل الضبّ،[٨] وكرهه غيرهم من أهل العلم، واستدلّوا بما ثبت عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، إذ يقول: (أُتِيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بضَبٍّ، فأبَى أَنْ يَأْكُلَ منه، وَقالَ: لا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنَ القُرُونِ الَّتي مُسِخَتْ)،[٩] فقالوا: لمّا كره النبي أكله؛ لأنّه قد يكون مسخاً دلّ ذلك على كراهته، فمن ترك أكله كان مأجوراً، ومَن أكل منه لم يأثم.[١٠]


ولكن ردّ العديد من أهل العلم على هذا القول، فقالوا: إنّ هذا الحديث النبوي كان قبل أن يوحي الله -تعالى- إلى نبيّه بأنّ المسخ لم يجعل له نسلاً، فقد علم النبيّ الكريم بعد ذلك أن الضبّ ليس من المسوخ، فمن رأى كراهة أكل الضبّ لم يبلغه حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- الذي يُبيّن فيه النبيّ أنّ الله -تعالى- لم يجعل لمسخٍ نسلاً.[١٠]

المراجع

  1. بدر الدين العيني، البناية شرح الهداية، صفحة 588، جزء 11. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5536، صحيح.
  3. الشافعي، الأم للشافعي، صفحة 274، جزء 2. بتصرّف.
  4. عبد الرحمن المباركفوري، تحفة الأحوذي، صفحة 402، جزء 5. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن خالد بن الوليد، الصفحة أو الرقم:5537، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2575، صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1944، صحيح.
  8. الصنعاني، سبل السلام شرح بلوغ المرام، صفحة 514، جزء 4. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1949، صحيح.
  10. ^ أ ب ابن رشد الجد، البيان والتحصيل، صفحة 270-271، جزء 17. بتصرّف.