تميّز التشريع الإسلامي بأنّه دِين يُسرٍ وسماحةٍ في تشريعاته وأحكامه، وممّا يدلّ على ذلك إباحة الفطر في شهر رمضان إن وُجد عُذرٌ مبيحٌ له، فأُسقط عن أهل الأعذار وجوب الصيام؛ تخفيفاً ودفعاً للمشقّة عنهم، بل أوجب الإفطار في بعض الحالات المخصوصة التي يُخشى فيها وقوع ضررٍ أو مشقّةٍ، فلم يُفرض الصيام إلاّ على مَن يُطيقه ويستطيعه، وتختلف تلك الأعذار من شخصٍ لآخر بحسب الأحوال التي يتعرّض لها، والمرض إحدى تلك الأعذار، وفي المقال الآتي بيانٌ لحكم إفطار المريض.[١]


ما حكم إفطار المريض في رمضان؟

أجمع العلماء على إباحة الفطر في رمضان للمريض، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)،[٢] ويُعرّف المرض بأنّه: كلّ ما خرج به الإنسان عن حد الصحّة،[٣] والأمراض تختلف اختلافاً كبيراً بحسب نوعها وشدّتها وآثارها على جسم الإنسان، وقد بيّن العلماء حكم الإفطار في رمضان بالنظر إلى المرض وشدّته وخطورته كما هو مبيّن فيما يأتي:[٤]


المرض اليسير الذي لا يُبيح لصاحبه الإفطار

لا يجوز للمريض مرضاً يسيراً الإفطار في رمضان، ويُعرف المرض اليسير بأنّه: المرض البسيط الذي لا يُلحق أي مَشقّةٍ بالصائم ولا يؤثّر عليه الصيام، كالصداع، والحُمّى، ووجع الأسنان، ومرض السكري إن كان مسيطراً عليه، وغيرها من الأمراض التي يُمكن تأخير تناول أدويتها إلى ما بعد الإفطار أو تقديم تناولها إلى السحور، وإلى ذلك ذهب جمهور أهل العلم، وخالفهم الظاهرية وابن سيرين الذين قالوا بأنّ المرض يُبيح الفطر للصائم دون النظر إلى درجته باعتباره سبباً مشروعاً للفطر في رمضان.[٤]


المرض الذي يُبيح لصاحبه الإفطار

يباح للمريض الإفطار في رمضان إن كان مرضه يمكّنه من الصيام، ولكنّه يتضرّر بسببه مضرّة لا تؤدي به إلى الهلاك، أو يؤدي إلى زيادة المرض، ويُطلق عليه المرض المُرخّص؛ أي الذي يُرخّص لصاحبه الفطر، ولا يُوجبه عليه، ومن الأمثلة عليه: مرض السكري الذي يعاني المريض بسببه من ارتفاع السكر في الدم.[٤]


المرض الذي يُوجب الإفطار

يجب الإفطار في رمضان ويحرّم عليه الصيام في حقّ المريض مرضاً يؤدي إلى الهلاك إن صام المُصاب به، بحيث إنّه لا يستطيع الصيام بأيّ حالٍ، ويقدّر حال المريض بأقوال الأطباء الثقات، فعلى المريض في تلك الحالة الإفطار بشرط تأكّده من حُصول الهلاك، أو الضرر البالغ، أو غلبة الظنّ بوقوع الهلاك والضرر، ويأثم إن لم يُفطر؛ لأنّه يُؤدّي بنفسه إلى الهلاك، وقد أمر الله -تعالى- بحفظها، قال -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)،[٥] وقال أيضاً: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).[٦][٤]


ماذا يترتب على الإفطار في رمضان بسبب المرض؟

يترتّب على المريض الذي أفطر في رمضان وكان مرضه ممّا يُرجى شفاؤه قضاء الأيام التي أفطرها بعد شفائه، لقوله -تعالى-: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)،[٢]وتستحبّ المبادرة والتعجيل في قضاء الأيام التي أفطرها في رمضان، أمّا إن كان المرض ممّا لا يُرجى شفاؤه؛ بأن كان مرضاً مُزْمناً، أو كان صاحبه كبيراً عاجزاً عن الصيام عجزاً مستمراً بحيث لا يستطيع القضاء فإنّه يُطعم مسكيناً عن كلّ يومٍ أفطره.[٧]

المراجع

  1. "الأعذار التي تبيح الفطر في رمضان"، الإسلام سؤال وجواب، 21-11-2001، اطّلع عليه بتاريخ 22-9-2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة البقرة، آية:184-183
  3. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 45. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث محمد الخلايلة (10-08-2011)، "المرض الذي يبيح الفطر للصائم"، دار الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 22-9-2021. بتصرّف.
  5. سورة النساء، آية:29
  6. سورة البقرة، آية:195