أوجب الله تعالى صيام شهر رمضان على كلّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ مقيمٍ، وهو ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، قال تعالى في وجوبه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)،[١][٢] وآتيًا بيانٌ لحكم إفطار يومٍ في رمضان سواء كان الإفطار بعذرٍ أم بغير عذرٍ.


ما حكم الإفطار في رمضان؟

حكم الإفطار بغير عذرٍ

صيام شهر رمضان واجبٌ و فريضةٌ على كلّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ مقيمٍ خالٍ من الأعذارِ وموانعِ الصيامِ، وهذا ثابتٌ في الكتاب والسنّة وإجماع العلماء، ويحرم إفطار أيّ يومٍ من أيامه دون عذرٍ شرعيٍّ يبيحُ ذلكَ، ويُعدّ ذلكَ كبيرةً من الكبائر العظيمة، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: "بينا أنا نائمٌ إذ أتاني رجلانِ فأخذا بِضَبعيَّ فأتيا بي جبلًا وعرًا فقالا لي اصعَد فقلتُ إنِّي لا أطيقُهُ فقالا إنَّا سنسهِّلُهُ لكَ فصعِدتُ حتَّى إذا كنتُ في سَواءِ الجبلِ إذا أنا بأصواتٍ شديدةٍ قلتُ ما هذهِ الأصواتُ قالوا هذا عُوِيُّ أهلِ النَّارِ ثمَّ انطلقَ بي فإذا أنا بقومٍ معلَّقينَ بعراقيبِهم مشقَّقةٍ أشداقُهم تسيلُ أشداقُهم دمًا قالَ قلتُ من هؤلاءِ قالَ هؤلاءِ الَّذينَ يُفطِرونَ قبلَ تحلَّةِ صومِهم"،[٣][٤] فمن أفطر عمدًا بغير عذرٍ بجماع زوجته؛ فعليه الكفارة باتّفاق الفقهاء، أمّا من أفطر دون عذرٍ بالأكل والشرب؛ فالحنفيّة والمالكيّة أوجبوا الكفارة عليه، وذهب الشافعيّة والحنابلة إلى القول بأنّ من أفطر بلا عذرٍ بالأكل والشرب فليس عليه كفارةٌ، وتتمثّل الكفارة في عتق رقبةٍ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر، فإطعام ستّين مسكينًا، وهي واجبةٌ على هذا الترتيب عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة، وأمّا المالكيّة؛ فقالوا بأنّ الكفارة على التخيير؛ أنّ الذي عليه الكفارة مخيّرٌ بين الأمور الثلاثة يختار أيّها شاء.[٥]


حكم الإفطار في رمضان بعذرٍ

اتّفق العلماء على جواز إفطار المسلم في شهر رمضان عند حصول عذرٍ أو مانعٍ له من الصيامِ؛ رفعًا للمشقة والحرج، بل إنّ هناك أعذارًا توجب الإفطار، ويحرم معها الامتناع عن الطعام والشراب بنيّة الصوم، وهذه الأعذار هي:[٦][٧]

  • المرض الشديد: سواء كان مرضًا عارضًا أو مزمنًا، بحيث يُسبّب الصيام للمريض حرجًا ومشقةً، فيجب عليه الفطر حفاظًا على نفسه.
  • السفر الطويل: أي الذي تقصر فيه الصلاة، فيباح للمسلم الفطر؛ منعًا من المشقة والحرج.
  • الشيخوخة والهرم: فالشيخ الطاعن في السن، وكذلك المرأة المسِّنة العجوز يُباح لهما الفطر في رمضان.
  • الإكراهُ على الفطرِ باستخدامِ الوعيدِ والتهديدِ.
  • الحيض والنّفاس: إذ يحرم على الحائض والنّفساء الامتناع عن الطعام والشراب بنية الصيام.
  • الحمل والإرضاع: وذلك إذا خشيت الحامل والمرضع وقوع الضرر على نفسها أو على وليدها؛ بسبب الصيام، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: "إنَّ اللَّهَ وضعَ عنِ المسافرِ الصوم وشطرَ الصَّلاةِ وعنِ الحاملِ أوِ المُرضعِ الصَّومَ أوِ الصِّيامَ واللَّهِ لقد قالَهما النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كليهما أو أحدهما".[٨]


الأحكام المترتبة على من أخّر القضاء

اتفق أهل العلم على وجوب القضاء لمن أفطر في رمضان، سواء كان ذلك بعذرٍ أو بغيرِ عذرٍ إذا زال العذر، ومن أفطر بغير عذرٍ؛ فإنّ عليه أن يتوب ويُكثر من الاستغفار والعمل الصالح، وقد اختلف الفقهاء فيما يترتّب على من فرَّط في قضاء رمضان، وأخّره حتّى رمضان الذي يليه على قولين:[٩]

  • القول الأول: تجب الفدية المتمثّلة بإطعام مسكينٍ واحدٍ عن كلّ يومٍ أفطره في رمضان السابق مع وجوب القضاء، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكيّة والشافعيّة والحنابلة.
  • القول الثاني: أنّه لا تلزمه الفدية، ويلزمه قضاء الأيام التي أفطرها فقط، وهو قول الحنفيّة.


وتجب الفدية بإطعام مسكينٍ واحدٍ عن كلّ يومٍ عند جمهور الفقهاء للفئات الآتية:[٩]

  • الشيخ المسنّ والعجوز اللذان لا يقدران على الصيام وتلحقهما المشقّة بسببه ولا قضاء عليهما، وإن عجزا عن أداء الفدية لفقرهما؛ فلا شيء عليهما.
  • الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على صحة طفلهما؛ فتجب عليهما الفدية، وأمّا إن أفطرتا خوفًا على نفسهما فلا يلزمهما إلا القضاء.
  • المريض مرضًا لا يُرجى منه الشفاء؛ أي كان مرضه مزمنًا.

المراجع

  1. سورة البقرة ، آية:185
  2. [سعيد بن وهف القحطاني]، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 48. بتصرّف.
  3. رواه الوادعي ، في الصحيح المسند، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:483، صحيح على شرط مسلم .
  4. [حمد الحمد]، كتاب فقه الصيام والحج من دليل الطالب، صفحة 2. بتصرّف.
  5. "مذاهب العلماء فيمن أفطر متعمدا في نهار رمضان"، طريق الإسلام، 16/06/2015، اطّلع عليه بتاريخ 17/10/2021. بتصرّف.
  6. [ابن عثيمين]، كتاب فتاوى أركان الإسلام، صفحة 456-457. بتصرّف.
  7. مجموعة من العلماء (29/10/2009)، "الأدلة الشرعية على حرمة صيام الحائض"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 23/9/2021. بتصرّف.
  8. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:715، حسن.
  9. ^ أ ب وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 1744-1745. بتصرّف.