حكم التصدّق بدل صيام القضاء

لا يجوز شرعًا لمن أفطر في رمضان أن يستبدل القضاء بدفع الصدقات أو الإطعام أو نحو ذلك إلّا لعذرٍ يمنع من القضاء؛ كالمريض مرضًا مزمنًا لا يُرجى شفاؤه، أمّا غيره ممّن أفطر في رمضان؛ فيلزمه ويتعيّن في حقّه قضاء ما أفطره، ولا يقوم مقام القضاء لا صدقةٌ ولا إطعام مساكين.[١]


أصناف من أفطر في رمضان وحكمهم

صنفٌ يجب عليه القضاء

رخّص الله -سبحانه وتعالى- وأباح لأصحاب الأعذار الإفطار في نهار رمضان؛ تيسيرًا عليهم ورفعًا للمشقّة عنهم، فيفطرون لهذه الأعذار، ويقضون ما أفطروه بسببها بعد رمضان، وأصحاب الأعذار كالمريض، والمسافر،[٢] والحائض والنفساء،[٣] فأمّا المريض والمسافر؛ فلقول الله -تعالى-: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)،[٤] وأمّا الحائض والنفساء؛ فقد أجمع العلماء على وجوب الفطر في حقّها، وأنّه يلزمها القضاء بعد رمضان، لما رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كنَّا نَحيضُ على عَهْدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، ثمَّ نَطهرُ ، فيأمرُنا بقضاءِ الصِّيامِ ، ولا يأمرُنا بقضاءِ الصَّلاةِ).[٥]


صنفٌ تجب عليه الفدية

شرع الله -سبحانه وتعالى- للشيخ الكبير الهَرِم، والمريض بمرضٍ شديدٍ مزمنٍ لا يُرجى شفاؤه الإفطار في رمضان وعدم الصيام، على أن يُخرجوا الفدية إن قدروا، وتتمثّل الفدية في إطعام مسكين عن كلّ يومٍ أفطروا فيه، ولا يجب عليهم القضاء؛ لعدم قدرتهم عليه، قال الله -تعالى-: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)،[٦][٣] ويمكن للفدية أن تكون إمّا بتقديم الطعام إلى المسكين، ومقدار ما يُقدّمه هو نصف صاعٍ من القوت الغالب في بلده -كالأرز مثلًا-، عن كلّ يومٍ أفطره، ونصف الصاع يُعادل كيلو ونصف تقريبًا في المكاييل الحديثة، ويجوز كذلك أن تُعدّ الفدية طعامًا، ويُدعى المسكين للأكل منها.[٧]


ومن الفقهاء من أوجب الفدية كذلك على الحامل والمرضع إذا أفطرتا في نهار رمضان خشيةً وخوفًا على ولديهما، وهو مذهب الشافعيّة والحنابلة، ونُقل هذا القول عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم جميعًا، أمّا إن أفطرت الحامل والمرضع خوفًا على نفسيهما من التعب والإرهاق؛ فعليهما القضاء فقط دون الفدية؛ قياسًا على المريض الذي يفطر بسبب المرض الذي يعرض له ويشقّ عليه الصوم معه، ويلزمه القضاء فقط.[٢]


صنفٌ تجب عليه الكفارة

أوجب الله -سبحانه وتعالى- الكفارة على من أفطر في نهار رمضان بالجِماع، وتتمثّل الكفارة في عتق رقبةٍ، فإن لم يجد؛ فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر؛ فعليه إطعام ستّين مسكينًا، ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- من قوله: (جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: هَلَكْتُ، يا رَسولَ اللهِ، قالَ: وَما أَهْلَكَكَ؟ قالَ: وَقَعْتُ علَى امْرَأَتي في رَمَضَانَ، قالَ: هلْ تَجِدُ ما تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قالَ: لَا، قالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قالَ: لَا، قالَ: فَهلْ تَجِدُ ما تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قالَ: لَا، قالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بعَرَقٍ فيه تَمْرٌ، فَقالَ: تَصَدَّقْ بهذا قالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَما بيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قالَ: اذْهَبْ فأطْعِمْهُ أَهْلَكَ).[٨][٩]


وتعدّدت أقوال الفقهاء في وجوب الكفّارة على من أفطر عامدًا في نهار رمضان بالأكل أو الشرب؛ فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى القول بوجوب الكفارة على من أكل أو شرب في نهار رمضان عمدًا، ولم يكن ناسيًا أو مكرهًا، وأمّا الشافعيّة والحنابلة؛ فقالوا بلزوم القضاء في حقّه فقط دون الكفارة؛ لأنّ كفارة الصيام وردت في الحديث الشريف في حقّ من أفسد صومه بالجماع، ولم يُذكر الأكل والشرب عمدًا.[١٠]

المراجع

  1. "حكم إخراج فدية بدل القضاء لمن أفطرت بسبب الحيض"، إسلام ويب، 30/10/2007، اطّلع عليه بتاريخ 21/7/2022. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 71-81. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 522-523. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:185
  5. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:787 ، صححه الألباني.
  6. سورة البقرة، آية:184
  7. "ما مقدار الفدية التي في آية الصيام"، الإسلام سؤال وجواب، 8/11/2005، اطّلع عليه بتاريخ 23/7/2022. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1111، حديث صحيح.
  9. سعيد بن وهب القحطاني، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 25. بتصرّف.
  10. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 60-61. بتصرّف.