شرع الله تعالى الصيام، ورتّب عليه أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا، يدفع المسلم إلى أدائه والقيام به؛ بغيةً تحصيل الأجر والثواب، إلّا أنّ من الأحوال ما تعرض للمسلم أو المسلمة فتكون عذرًا موجبًا لترك الصيام وعدم إتمامه؛ كالمرض، والدورة الشهريّة للمرأة، وآتيًا بيان حكم الصيام أثناء الدورة الشهريّة، وبعض الأحكام ذات الصلة.
هل يجوز الصيام أثناء الدورة الشهرية؟
يحرم على المرأة الحائض الصيّام، سواء كان الصيام صيام شهر رمضان أو صيام غيره، فرضًا أو نفلًا، ولا يصحّ صومها بإجماع العلماء؛[١] وذلك للأدلة الآتية:
- ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال في حقّ النساء: "أَليسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ، فَذلكَ نُقْصَانُ دِينِهَا".[٢]
- قول عائشة -رضي الله عنها- لما سُئلت: "ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أسْأَلُ. قالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ".[٣]
أحكام متعلّقة بالصيام أثناء الدورة الشهريّة
ما يترتب على الإفطار بِعذر الحيض
يجب على الحائض قضاء الأيام التي لم تصمها بسبب الحيض في صيام الفرض كصيام رمضان، ودليل ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- لمّا سُئلت قالت: "كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ"،[٣]، ويجوز للمرأة التي أفطرت في رمضان بسبب الحيض أن تقضي ما فاتها من أيّامٍ في أي وقتٍ من السَّنَة، بشَرْطِ ألاّ يأتي رمضانٌ التالي وهي لم تقضِ ما عليها بعد، روي عن عائشة -رضي الله عنها- قولها:" كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَ إلَّا في شَعْبَانَ. قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النبيِّ أوْ بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"،[٤] والأصل استحباب المبادرة والمسارعة في قضاء ما فاتها من شهر رمضان.[٥][٦]
حكمُ إمساكِ الحائض إذا طهُرَت في نهار رمضان
اختلف الفقهاء في حكم إمساك الحائض عن المفطرات لبقيّة اليوم إن طهُرَت خلال نهار رمضان على قولين بيانهما آتيًا:[٧]
- القول الأول: لا يَلْزَمُ إمساك الحائض بقيّة اليوم الذي تطهّرت فيه، ويجوز لها الأَكْل والشُّرب، ويلزمها قضاء ذلك اليوم، وهو مذهب المالكيّة والصحيح من مذهب الشافعية، وراوية عند الحنابلة، وصرّح الشافعية باستحباب الإمساك؛ مراعاةً لحرمة الشهر، واستدلّوا على قولهم بعدم وجوب الإمساك، بما روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: "من أكل أول النهار، فليأكل آخره"، ولأنّه أبيح له الفطر أول النّهار، فإذا أفطر كان له أن يستديمه ويستمرّ فيه إلى آخر النهار، كما لو دام العذر وبقي قائمًا.[٨]
- القول الثاني: يَلْزَمُ إمساك الحائض عن الأَكْل، والشُّرب، والجِماع إذا تطهّرت في نهار رمضان، ويلزمها قضاء ذلك اليوم، وهو مذهب الحنفيّة وقول عند الشافعية، والحنابلة في روايةٍ ثانيةٍ عنهم، واستدلّوا على ذلك بدليل عقليّ؛ أنّ ما جاز لعُذرٍ بَطُل بزواله؛ فالحائض تترك الصيام بسبب عذر الحيض، فإذا انتهى هذا العذر زال ما رتّبه من ترك الصيام؛ فعليها أن تمسك إذا طهرت.[٨]
حكم صوم الحائض إذا طهرت قبل الفجر
إذا طَهُرت المرأة قبل الفجر، وتيقّنت من طُهرها، وجب عليها صيام ذلك اليوم، مع عَقْدها النيّة على الصيام، ولا يُشترَط الاغتسال لصحّة الصيام؛ إذ يمكن أن تُؤخّرَ الاغتسال إلى ما بعد الفجر، إلّا أنّها ليس لها تأخير الاغتسال بحيث يخرج وقت الصلاة؛[٩]، قياسًا على حكم صيام الجُنب؛[١٠] ودليل ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أمّ سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: "كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِن غيرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُ".[١١]
المراجع
- ↑ النووي، المجموع شرح المهذب، صفحة 354. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:1951، صحيح.
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:335، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1950، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 75-76. بتصرّف.
- ↑ الكمال بن الهمام، فتح القدير، صفحة 355. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 255-256. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 82. بتصرّف.
- ↑ الحطّاب، مواهب الجليل شرح مختصر خليل، صفحة 421. بتصرّف.
- ↑ "حكم صيام الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر"، الموقع الرسمي للشيخ ابن باز، 5-9-1414، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2021. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم سلمة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1109، صحيح.