حرصت الشريعة الإسلامية على وحدة المجتمع وتماسكه وصلابته، وحثت أفراده على قيام كلّ واحدٍ منهم بواجباته تجاه غيره، وأداء حقوق كلّ من له حقٌّ عليه، ومن ذلك حقّ الجار على جاره، وقد جاءت نصوصٌ من القرآن الكريم والسنّة النبويّة مبيِّنةً لحقوق الجار على جاره، وحاثَّةً على الإحسان إليه، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)،[١] وقول النبي عليه الصلاة والسلام: "ما زال جبريلُ يوصيني بالجارِ حتى ظننتُ أنه سيُوَرِّثُه"،[٢][٣] وفيما يلي حديثٌ عن حكم إيذاء الجار وبيانٌ لجملةٍ من حقوقه.


ما حُكم إيذاء الجار؟

يعدّ إيذاء الجار كبيرة من الكبائر؛والدليل في ذلك قول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ"،[٤]

وقد بيّن النبي -عليه الصلاة والسلام- شدّة عقوبة من يؤذي جيرانه ومن لا يسلم جيرانه من شره؛ فقال: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ"،[٥] وعلى من يتأذّى من جاره أن يصبر عليه، وينصحه بالحُسنى؛ فهذا من حقوق الجار على جاره، وألّا يكون غليظًا وشديدًا معه ردًّا على إيذائه له.[٦]


من حقوق الجار

أوجبت الشريعة الإسلاميَّة حقوقًا للجار تجب مراعاتها وحفظها، وآتيًا بيان بعض هذه الحقوق:[٧]

  • حماية الجار من الأذى أو التعرّض للإساءة؛ وهذا من حقوق الجار التي وصّى بها النبيّ عليه الصلاة والسلام؛ فقد جاء رجلٌ إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يذكر له أصنافًا من الجيران وأحوالهم؛ فقال: "يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ"،[٨] ولإيذاء الجار صورٌ عديدة على المسلم أن يتجنّبها، ومنها السخرية منه، وحسده، وإفشاء أسراره وعدم صونها، وطرح القاذورات أمام بيته، ومضايقته في معيشته.
  • السعي لتقديم المعروف إلى الجار والتودّد إليه ومن صور المعروف ومظاهر التودّد له؛ تقديم الهديا له؛ لما للهديّة من دورٍ في إذابة المشاحنات، وتليين القلوب وزيادة التوادّ والتراحم بين الناس، وقد أوصى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بإكرام الجار، ومن ذلك قوله: "من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليكرمْ جارَه".[٩]
  • أن يحبّ المسلم لجاره ما يحبّه لنفسه من الخير.
  • أن يحرص المسلم على فكِّ كربات جاره ما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "خيرُ الأصحابِ عند اللهِ خيرُهم لصاحبِه، و خيرُ الجيرانِ عند اللهِ خيرُهم لجارِه".[١٠]
  • أن يحرص المسلم على أن يكون سببًا لفرح جاره، وألّا يكون سببًا في حزنه أو زيادة همّه.

المراجع

  1. سورة النساء، آية:36
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:6015، صحيح.
  3. عبدالعزيز بن فوزان الفوزان (14/10/2013)، "حقوق الجار في الشريعة الإسلامية "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 20/10/2021. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6018، صحيح.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:46، صحيح.
  6. إسلام ويب (26/3/2005)، "أذى الجار من الكبائر"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 20/10/2021. بتصرّف.
  7. عابد بن عبد الله الثبيتي (20/10/2013)، "حقوق الجار"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 3/11/2021. بتصرّف.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2560، صحيح.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي شريح العدوي خويلد بن عمرو ، الصفحة أو الرقم:6019، صحيح.
  10. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:103، صحيح.