شُرعت الشركة في الفقه الإسلامي؛ للتوسيع على الناس في تعاملاتهم، ولتكون سبيلًا من سُبل الكسب الحلال، ووسيلةً لتحريك أموالهم الراكدة وفتح سبل التعاون وتخفيف البطالة في المجتمع، وتُعرّف الشركة في الشرع بأنّها: الاجتماع في استحقاقٍ؛ كإرث أو وصية أو غنيمة، أو اجتماعٌ في تصرّفٍ سواءً أكان ماليًّا أم بدنيًّا أو قائمًا على التعامل بالجاه.[١][٢]


وللشركة في الفقه الإسلاميّ وفق تعريفها السابق أنواعٌ عدّةٌ، ومن بينها شركة الوجوه، ويُقصد بها أن يشترك اثنان أو أكثر ليس لهم مالٌ، لكن لهم وجاهةٌ عند الناس، فيشتروا بضاعةً من تاجرٍ -مثلًا- بمبلغٍ مؤجّلٍ، ويبيعهم التاجرالبضاعة بلا دفع مبلغٍ نقدًا؛ لما لهم من سمعةٍ ومنزلة، ثمّ يبيعون ما اشتروا نقدًا ويتقاسمون الربح بينهم، وسمّيت بشركة الوجوه؛ لأنّهم يحصّلون ما يُتاجرون به ويشترونه لا بمالهم بل بما لهم من جاهٍ وسمعةٍ بين الناس.[٣]


ولشركة الوجوه كغيرها من الشركات أركانٌ تقوم عليها، وهي:[٤]

  • الصيغة: وهي الإيجاب والقبول والتي يرى الحنفيّة الاكتفاء بها ركنًا لشركة الوجوه وسائر الشركات خلافًا للجمهور.
  • العاقدان: وقد يكون العاقدان شخصين أو أكثر.
  • العمل: وهو ما سيقوم به العاقدان من تجارة وبيعٍ لتحقيق الربح.

ولا يعتبر المعقود عليه؛ أي المال ركنًا في شركة الوجوه خلافًا لغيرها من الشركات؛ لأنّ رأس المال هنا ما يشتريه الشركاء في الذمة؛ أي بمبلغٍ مؤجّلٍ لا نقدًا.


ما حُكم شركة الوجوه؟

اختلف الفقهاء في حُكمِ شركة الوجوه على النحو الآتي:[٥]

  • الحنفية والحنابلة: ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى القول بجواز شركة الوجوه، واستدلوا على ذلك بعدّة أدلّةٍ، منها:
  • أنّ الأصل في جميع الشركات الجواز؛ وذلك لتلبية حاجات العصر.
  • أنّ شركة الوجوه قد جرى العمل بها منذ زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- وإلى يومنا هذا من غير أن ينكر أحدٌ ذلك.
  • أنّ شركة الوجوه قائمةٌ على أهلية التوكيل والتوكل، وأهلية الكفالة كذلك، والكفالة والوكالة من العقود المشروعة في الشريعة الإِسلامية؛ لعدم اشتمالهما على مفسدة.
  • الشافعيّة والمالكية: أبطلوا هذه الشركة وقالوا بعدم جوازها، وحجّتهم في القول ببطلانها:
  • أنّ شركة الوجوه بحسب قول المالكيّة هي من باب أَسلفني أُسلفك؛ أي أسلفني أو أقرضني مبلغًا ما على أن أردّ لك المبلغ الذي أقرضتني إيّاه وأقرضك مثله.[٦]
  • أنّ الشركة بحسب رأي الشافعيّة لا يجوز أن تقوم إلا على مالٍ مشترك، وشركة الوجوه لا مال فيها.


شروط شركة الوجوه عند من يجيزها

لشركة الوجوه شروطٌ عند من يجيزها؛ أي عند الحنفيّة والحنابلة، ولكل منهما تفصيلٌ في ذلك:[٧]

  • عند الحنابلة: اشترط الحنابلة في شركة الوجوه ما اشترطوه في شركة العنان، وشركة العنان، هي: وهي أن يشترك اثنان في مالٍ ما ليتاجروا فيه ويكون الربح مقسومًا بينهما،[٨] وشروط شركة العنان عندهم هي:[٩]
  • أن تقوم على الوكالة.
  • أن تكون في التجارات بشكل عام أو في نوع محدد، ويكون العمل من أحد الشركين أو من كلاهما.
  • يصحُّ فيها التساوي في المال والربح أو أن يتّفقا على التفاضل في الربح؛ بأن يأخذ أحد الشركاء أكثر من غيره بالتراضي.
  • عند الحنفيّة: تختلف شروط شركة الوجوه عند الحنفية تبعًا لتقسيمهم شركة الوجوه إلى شركة عنان أو شركة مفاوضة:

فإن كانت شركة الوجوه مفاوضةً؛ ويقصد المفاوضة؛ أن يشترك اثنان في الكسب بالمال والبدن وأن يكون كلَ واحدٍ منهما ضامنًا للآخر،[٨] ففي هذه الحالة اشترط الحنفية ما يلي:[١٠]

  • أن يكون كلٌّ من الشريكين من أهل الكفالة.
  • أن يكون المشترى بينهما نصفين.
  • تقاسم الربح بالتساوي.
  • أن يتلفظا بلفظ المفاوضة.
  • التساوي في التصرف؛ أي أن يكونا متساويين في الأهلية؛ فلا يكون أحدهما بالغًا مكلّفًا والآخر صبيًّا قاصرًا مثلًا.


وأمّا إن كانت شركة الوجوه عنانًا؛ فاشترطوا فيها:[١١]

  • أن يكون الشريكان من أهل الوكالة.
  • أن ينعدم فيها شرط المفاوضة القائم على التساوي في الربح أو غيره.

المراجع

  1. محمد محمود، "الشركات في الفقه الإسلامي"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 11/10/2021. بتصرّف.
  2. عبدالله الطيار، كتاب الفقه الميسر، صفحة 143. بتصرّف.
  3. دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 291-292. بتصرّف.
  4. دبيان الدبيان، كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 309. بتصرّف.
  5. دبيان الدبيان، كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 301-305. بتصرّف.
  6. "أسلفني وأسلفك رؤيا شرعية"، إسلام ويب، 23/01/2003، اطّلع عليه بتاريخ 13/10/2021.
  7. دبيان الدبيان، كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 311-314. بتصرّف.
  8. ^ أ ب د. أحمد بن محمد الخليل (16/2/2014)، "أنواع الشركات"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 11/10/2021. بتصرّف.
  9. دبيان الدبيان، كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 72. بتصرّف.
  10. دبيان الدبيان، كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 313. بتصرّف.