جاءت الشريعة الإسلاميّة لحفظ الإنسان في دينه ونفسه وعِرضه وعقله وماله، ووضعت من الأحكام ما يكفل حفظها، ويمنع الاعتداء عليها أو إيذائها، وآتيًا في هذا المقال حديثٌ عن حكم إيذاء الإنسان لنفسه أو لغيره.
ما حكم إيذاء النفس؟
لا شكّ أنّ إيذاء النفس بأيّ شكلٍ من الأشكال محرَّمٌ ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك، وقد راعت الشريعة حفظ الضّرورات الخمس، ومنها حفظ النفس، والأدلة على حفظ النفس من الكتاب والسنّة كثيرةٌ، منها قوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)،[١] وقد رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "من قتَلَ نفسَهُ بحديدةٍ جاءَ يومَ القيامَةِ وحديدتُهُ في يدِه يتوجَّأُ بِها في بطنِهِ في نارِ جَهنَّمَ خَالدًا مخلَّدًا أبدًا، ومن قَتلَ نفسَه بسُمٍّ فَسمُّهُ في يدِه يتحسَّاهُ في نارِ جَهنَّمَ خالدًا مخلَّدًا"،[٢] وقال النبيّ عليه الصلاة والسلام: "لا ضررَ ولا ضِرارَ"،[٣] فحفظ النّفس واجبٌ ولا خلاف بين العلماء في ذلك، وقد حافظ الإسلام على النّفس البشرية؛ فحرّم قتل النّفس بغير حق، قال تعالى: (وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلّا بِالحَقِّ)،[٤] وحفظ النفس أيضًا يكون بتحريم الانتحار، والانتحار من كبائر الذنوب، وقد أخبرنا النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنّ المنتحر يُعاقب في الآخرة بمثل ما قتل نفسه في الدنيا، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: "مَن قتَلَ نَفْسَهُ بشيءٍ؛ عُذِّبَ به، ومَن شهِدَ على مُسلِمٍ -أو قال: مُؤمِنٍ- بكُفرٍ؛ فهو كقَتلِهِ، ومَن لعَنَهُ؛ فهو كقَتلِهِ، ومَن حلَفَ على مِلَّةٍ غَيرِ الإسلامِ كاذبًا؛ فهو كما حلَفَ"،[٥] وإنّما وضع الاسلام هذه الحدود من أجل المحافظة على النّفس وصيانتها من كلّ مكروهٍ.[٦]
حكم الإضراب عن الطعام والشراب
الإضراب عن تناول الطعام إن كان جزئيًّا في وقته أو نوعيًّا؛ بحيث لا يؤدّي به إلى الهلاك أو ضررٍ بنفسه، فلا بأس به، خصوصًا إن ترتّب على ذلك مصلحةٌ ولو كانت ظنيَّةً، أمّا إن كان امتناعه عن الطعام سيؤدّي به إلى الهلاك أو إلحاق ضررٍ دائم بجسده أو إتلافه فإنه يحرم عليه؛ لأنه بذلك يقتل نفسه، وحرّم الله تعالى إيذاء النفس وقتلها، وإن كانت نفسه؛ فيحرم على الإنسان أن يضرب عن الطعام والشراب لمدَّةٍ يموت فيها، أمّا إن أضرب لمدَّةٍ لا يموت فيها وكان هذا هو الخيار الوحيد لتخلّصه من الظلم الواقع عليه؛ فإنّه يجوز له ذلك. [٧]
حكم إيذاء الغير
إيذاء الناس عمومًا أمرٌ محرَّمٌ، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)،[٨] ذلك أنّ حقوق العباد مبنيَّةٌ على المُشاحّة؛ أي التدقيق فيها وعدم العفو عنها إلّا إن عفا أصحابها، والذي يتجرأ على حقوق العباد ويؤذيهم؛ فإنّ هذه الحقوق ستتعلّق في ذمته حتّى يلقى الله عزّ وجلّ، ويوفيهم إيّاها من حسناته، فعلى من يؤذي الناس أن يتقي الله -عزّ وجلّ- وينتهي عن أذيتهم؛ لأنّ عقوبته وخيمةٌ يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.[٩]
المراجع
- ↑ سورة سورة ال عمران، آية:195
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:109، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن عباس وعبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 9880، صحيح.
- ↑ سورة الانعام، آية:151
- ↑ رواه شعيب الارناؤوط، في تخريج المسند، عن ثابت الضحاك، الصفحة أو الرقم:16391.
- ↑ %1$s&share=https://www.islamweb.net/ar/consult/index.php?page=Details&id=54490 "حكم ايذاء النفس"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 22/11/2021. بتصرّف.
- ↑ "حكم الاضراب عن الطعام"، اسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 22/11/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الاحزاب، آية:58
- ↑ %1$s&share=https://www.islamweb.net/ar/fatwa/14787/ "إيذاء الناس احتمال للإثم المبين"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2021. بتصرّف.