الكذب في أصله من المحرّمات المعلوم حرمتها من الدين بالضرورة، وهو غير جائزٍ لا مزاحًا ولا جَدًّا، ويعتبر من الأخلاق المذمومة؛ لما يترتّب عليه من الفساد والضرر، وقد حذّر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من الكذب ونتائجه الوخيمة؛ فقال: "وإيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا"،[١][٢][٣] وقد رخّص الشرع الكذب في أحوالٍ محدَّدةٍ ولأسبابٍ معيَّنةٍ، وآتيًا بيانها.
ما حكم الكذب لمصلحة؟
أباح العلماء الكذب لمصلحةٍ معتبرةٍ شرعًا إن لم يكن ثمّة وسيلةٌ للوصول إلى هذه المصلحة المعتبرة إلا من خلال الكذب، بشرط ألّا يترتّب على ذلك ضررٌ للغير، قال الإمام النووي رحمه الله: "فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثمّ إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا كان الكذب مباحًا، وإن كان واجبًا كان الكذب واجبًا".[٣]
ومن المصالح المعتبرة التي أباح الشرع الكذب فيها، ما يلي:[٤]
- في الحرب: لأنّ الحرب خدعةٌ كما أخبر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي يرويه جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- في قوله: "الحَرْبُ خَدْعَةٌ"،[٥] فالكذب في الحرب مهمٌّ؛ لتمويه الأعداء وخداعهم، والظفر بالنصر.
- في الصلح بين المتخاصمين: فقد أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّ الكذب في هذه الحالة مباحٌ إن كان سبيلًا لإذابة المشاحنات والخصومة بين الناس، ولا يُعدّ من فعل ذلك كاذبًا؛ لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "ليسَ الكَذّابُ الذي يُصْلِحُ بيْنَ النَّاسِ، ويقولُ خَيْرًا ويَنْمِي خَيْرًا".[٦]
- في الحياة الزوجيّة: فقد تستدعي بعض الأحوال أن يخفي أحدٌ من الزوجين عن الآخر ما من شأنه أن يتسبّب في خصومةٍ أو فتنةً أو يُولّد نفورًا بينهما؛ فيضطران للكذب على بعضهما وقول عكس ما يبطن أحدهما على الآخر؛ صونًا لرابطة الزوجيّة وحفاظًا عليها.
حكم الكذب على الله تعالى
الكذب على الله -عزّ وجلّ- من أعظم صور الكذب، وأخطر الأعمال؛ لقول الله تعالى: (وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أُولـئِكَ يُعرَضونَ عَلى رَبِّهِم وَيَقولُ الأَشهادُ هـؤُلاءِ الَّذينَ كَذَبوا عَلى رَبِّهِم أَلا لَعنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظّالِمينَ)،[٧] ويُقصد بالكذب على الله: القول عليه بغير علمٍ؛ كأن يصفه بأوصافٍ لم يذكرها الله في كتابه أو رسوله -عليه الصلاة والسلام- في سنّته، أو تحليل ما حرّم الله أو إباحة ما حرّمه منه، ومن الكذب على الله -عزّ وجلّ- أيضًا تشريع أمرٍ لم يُشرّعه الله ولم يأذن به.[٨]
عقوبة الكذب في الدنيا
من عواقب الكذّب التي قد تصيب الكاذب في الدنيا فقدان الراحة والاستقرار النفسي والشعور بالطمأنينة؛ لأنّ الكذب يدفع للاضطراب والقلق والانزعاج، ويعدّ الكذب سببًا لانشغال البال وضيق النفس، ويُوقع الكذب وتكراره مرض القلب، ويمحق بركة العبد ورزقه، ويكون سببًا في ابتعاد الملائكة عنه، ونفرة الناس منه وصدّهم عنه.[٩]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2607، صحيح.
- ↑ علي بن عبدالعزيز الراجحي، "الصدق والكذب"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 22/10/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب إسلام ويب (4/8/2008)، "حكم الكذب لضرورة ماسة أو لمصلحة معتبرة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 22/10/2021. بتصرّف.
- ↑ الدرر السنية، "حُكم الكذب وما يُباح منه"، الدرر السنية موسوعة الأخلاق، اطّلع عليه بتاريخ 22/10/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:3030، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم كلثوم بنت عقبة، الصفحة أو الرقم:2605، صحيح.
- ↑ سورة هود، آية:18
- ↑ طريق الإسلام (16/6/2015)، "الكذب على الله تعالى"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 22/10/2021. بتصرّف.
- ↑ الشيخ ندا أبو أحمد (13/7/2015)، "عقوبة الكذب في الدنيا"، موقع شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 22/10/2021. بتصرّف.