حكم شراء الذهب بالتقسيط
تعددت آراء الفقهاء في حكم بيع وشراء الذهب بالتقسيط بين المنع والإباحة؛ وذلك تبعاً لعدّة اعتبارات، وفيما يأتي بيان ذلك:
عدم جواز شراء الذهب بالتقسيط
ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بعدم جواز بيع وشراء الذهب بالتقسيط؛ كما لا يجوز بيع الذهب وشراؤه بالأوراق النقدية إلا بالتقابض في مجلس العقد، خشية الوقوع في الربا؛ وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ).[١][٢]
كما استدلوا بصريح النهي في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ، ولا تُشِفُّوا بَعْضَها علَى بَعْضٍ.. ولا تَبِيعُوا مِنْها غائِبًا بناجِزٍ)؛[٣] فيُشترط التقابض في المجلس لبيع الذهب،[٤] وتجدر الإشارة إلى أنّ العلماء المعاصرين قالوا بأنّ الأوراق النقدية اليوم تقوم بمقام الذهب والفضة؛ فيُشترط للمبادلة بين النقد والذهب التناجز في مجلس العقد، وإلا فإنّ التأجيل يؤدي إلى بطلان العقد وحرمته.[٥]
وبناءً على هذه الأدلة ذهب بعض العلماء المتأخرين إلى عدم جواز بيع الذهب بالبطاقة الائتمانية "الفيزا"، و"الماسترد كارد" ونحوها، على اعتبار أنّ الدفع بهذه الوسائل لا يكون فوراً، وبهذا لا يتحقق شرط التقابض في المجلس، إلا في حال تمّ التأكد من وصولها إلى حساب البائع فوراً كما في بطاقات الصّرَّاف؛ والتي يجري فيها عادة أن يتم خصم القيمة من حساب المشتري بشكل فوري، وإجراء عملية التسوية والموازنة من قبل البائع؛ مما يؤدي إلى تحويل الثمن إلى الحساب فوراً، وبهذه الحالة جاز استخدامها في شراء الذهب؛ لتحقّق الحلول والتقابض في ذات المجلس، وهو ما يُسمّى بالتّقابض الحُكمي.[٦]
جواز شراء الذهب بالتقسيط
ذهب للقول بالجواز ابن تيمية ووافقه في ذلك ابن القيّم؛ حيث ذهبوا إلى أنّ الذهب المصّنع -الحليّ- خرج عن النقدية بتصنيعه، وصار بذلك كالسلع التي يجوز المتاجرة فيها بالثمن العاجل والآجل، ولا يكون ذلك نوع من أنواع الربا المنهي عنه؛ حيث يقول ابن القيم في ذلك: "إنّ الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسِّلَع، لا من جنس الأثمان.. فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع، وإن كانت من غير جنسها"،[٧] وعلّة اعتباره جائزاً هو أنّ منع هذا الدّين أو التأجيل فيه ضرر على الناس.[٨]
كما ذهب بعض أهل العلم إلى جواز بيع الذهب بالتقسيط إذا كان الثمن من غير جنس الذهب؛ كأن يكون بالقمح أو الشعير، وقد رأى من عارضهم أنّ في هذا الأمر حرج ومشقة لا ترضاه الشريعة الإسلامية؛ إذ ليس كل الناس عندهم ذهب يدفعونه للحصول على ما يحتاجون إليه من القمح والشعير، كما أنّ الباعة لا يسمحون الآن ببيع الذهب بهذه الأثمان.[٩]
حكم بيع الذهب القديم بالذهب الجديد
ذهب أهل العلم إلى التفصيل في هذه المسألة للحكم بجوازها؛ وذلك يكون بإجراء عقد بيع منفصل للذهب القديم يتحقق فيه التقابض في المجلس؛ وذلك بدفع الذهب القديم إلى الصائغ، واستلام ثمنه من قبل الزبون، وبعد ذلك يتم إجراء عقد آخر منفصل عن الأول؛ وهو عقد شراء الذهب الجديد، كما يُشترط فيه التقابض في المجلس، أمّا ما يجريه بعض الناس من استبدال الذهب القديم بالجديد مع دفع الفارق في الثمن بعقد واحد فهذا لا يجوز؛ لأنّ بيع الذهب يُشترط فيه التساوي في الوزن، والتقابض في مجلس العقد؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث التي أشرنا لها سابقاً.[١٠]
مواضيع أخرى:
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم:1587، صحيح.
- ↑ ابن عثيمين، الفتاوى الذهبية في بيع وشراء الذهب، صفحة 27. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2177، صحيح.
- ↑ فيصل آل مبارك، خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام، صفحة 258. بتصرّف.
- ↑ حسام الدين عفانة، يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة، صفحة 253. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى واستشارات الإسلام اليوم، صفحة 354، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ ابن القيم، أعلام الموقعين عن رب العالمين، صفحة 485، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 110-115، جزء 50. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 114، جزء 50. بتصرّف.
- ↑ حسام الدين عفانة، يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة، صفحة 254. بتصرّف.