يقسّم علماء أصول الفقه الحكم الشرعيّ التكليفي إلى أقسامٍ خمسةٍ، هي: الواجب، والمستحبّ، والمباح، والمكروه، والمحرّم،[١] وآتيًا حديث عن المحرّم أو الحرام وبيانٌ للصيغ والأساليب الدّالة عليه، وأقسامه.
الحرام في الشرع
تعريف الحرام
الحرام في اللغة يأتي بمعنى الممنوع، والشيء المُحرّم؛ أي الذي يُمنع فعله ولا يحلّ انتهاكه،[٢] وأمّا في الاصطلاح الشرعيّ؛ فالحرام هو ما طلب الشّارع -سبحانه وتعالى- تركه على سبيل الحتّم والإلزام، وقيل هو ما يأثم فاعله شرعًا ويُثاب تاركه، وهو بذلك خلاف الواجب؛ لأنّ الواجب ما طلب الشّارع فعله على سبيل الحتم والإلزام، ويثاب فاعله ويأثم تاركه.[٣]
ألفاظ تطلق على الحرام
تُطلق ألفاظٌ أخرى على الحرام في الشرع، وتفيد ذات معناه، ومنها: المحظور، والممنوع، والمعصية، والذنب، والقبيح، والسيئة، والفاحشة، والإثم.[٣][٤]
الصيغ والأساليب الدالة على التحريم
يأتي خطاب الشارع -سبحانه وتعالى- الذي يفيد التحريم ويقتضيه بصيغٍ وأساليب متنوّعةٍ تدلّ عليه، ومن هذه الصيغ والأساليب ما يلي:[٣]
- لفظ التحريم الصريح: فقد يردّ النّص على التحريم بلفظه الصريح، ومن ذلك قول الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ)،[٥] وقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).[٦]
- صيغ النهي: وهي أكثر الصيغ المستعملة في الدلالة على التحريم، ومثالها قول الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)،[٧] ولفظ ينهى كما في قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ).[٨]
- الأمر بالاجتناب: بأن يأتي الطلب من الله تعالى باجتناب أمرٍ ما، كالأمر باجتناب الخمر والقمار في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).[٩]
- استعمال لفظ "لا يحلّ": فالقول بعدم الحِّلّ من الصيغ الدّالة على الحرمة، ومثالها قول الله تعالى: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)،[١٠] ومثاله من السنة النبويّة؛ قول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "لا يَحِلُّ مالُ امرِيءٍ مُسلمٍ إلَّا بِطِيبِ نفسٍ مِنهُ".[١١]
- ترتيب عقوبةٍ دنيويَّةٍ أو أُخرويَّةٍ على الفعل: فإذا رتّب الشارع -سبحانه وتعالى- على فعلٍ معيّنٍ عقوبةً؛ كان ذلك دلالةً على تحريم الفعل، ومثاله قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).[١٢]
- الألفاظ الدّالة على الإنكار بصيغةٍ مشدّدةٍ: ومن هذه الصيغ؛ غضب الله، ولعن الله، أو وصف الفاعل لأمرٍ ما بالكفر أو الظلم أو نفاق، أو نفي الإيمان عمن يقوم بفعلٍ ما، ومثاله قول الله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).[١٣]
أقسام الحرام
يُقسّم علماء أصول الفقه الحرام إلى أقسامٍ وفق اعتباراتٍ متعدِّةٍ، وبيان هذه الأقسام على النحو الآتي:[٣]
- باعتبار المفسدة ومحلّها.
- المحرَّم لذاته: وهو ما كانت مفسدته راجعةً لذات الفعل، والمحرَّم لذاته هو الذي حرّمه الله تعالى ابتداءً وأصالة، والمفسدة والمضرّة راجعةً لذات الفعل، ومثاله قتل النفس، الزنا، شرب الخمر، وأكل الميتة وغيرها.
- المحرَّم لغيره: وهو ما كان في أصله وذاته مشروعًا، إلّا أنّه اقترن به أمرٌ آخر اقتضى بسبب مفسدةٍ جعلت منه محرَّمًا، ومثاله: تحريم البيع وقت النداء لصلاة الجمعة؛ فالأصل أنّ البيع بوجهٍ عامٍّ في أصله وذاته جائز، إلّا أنّه إذا كان البيع في عند النداء لصلاة الجمعة أصبح البيع محرَّمًا؛ لأنّه يُلهي عن الصلاة.
- أقسام الحرام باعتبار المطلوب تركه.
- محرَّمٌ معيّن: وهي المحرّمات التي جاء الشارع على تحريمها تحديدًا ورتّب على ارتكابها عقوبةً؛ كالقتل وعقوق الوالدين، ونحوها.
- محرَّم مُخيَّر: هو أنّ يُحرّم الشارع -سبحانه وتعالى- أحد أمرين؛ بحيث إذا فعل المسلم أمرًا أصبح الآخر محرَّمًا، ومثال ذلك الجمع بين الأختين؛ بحيث إذا تزوج الرجل إحدى أُختين أصبحت الأُخرى محرَّمةً.
المراجع
- ↑ محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 265. بتصرّف.
- ↑ "تعريف ومعنى الحرام"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 31/10/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه، صفحة 349. بتصرّف.
- ↑ عادل يوسف العزازي (04/06/2015)، "الحرام: تعريفه وبعض مسائله"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 31/10/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:23
- ↑ سورة البقرة، آية:275
- ↑ سورة البقرة، آية:188
- ↑ سورة النحل، آية:90
- ↑ سورة المائدة، آية:90
- ↑ سورة البقرة، آية:230
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن حنيفة عم أبي حرة الرقاشي، الصفحة أو الرقم:7662، صحيح.
- ↑ سورة النساء، آية:10
- ↑ سورة المائدة، آية:45