يقسّم علماء أصول الفقه الحكم الشرعي التكليفيّ إلى خمسة أقسامٍ، هي: الواجب، والحرام، والمندوب، والمكروه، والمباح،[١] وآتيًا حديثٌ عن الواجب؛ تعريفه وصيغه وأقسامه.
الواجب في الشرع
تعريف الواجب
يأتي الوجب في اللغة بمعنى اللزوم والثبات، أمّا الواجب في الاصطلاح كما يُعرّفه علماء الأصول؛ فهو ما طلب الله تعالى من المكلَّفين فعله طلبًا جازمًا على سبيل الحتم والإلزام، ويذكر العلماء صفة الحتم والإلزام في الواجب؛ ليُخرجوا ويستثنوا منه المندوب؛ لأنّ المندوب ما طلبه الله تعالى من المكلّفين من غير إلزامٍ، ومن التعريفات التي عرّف العلماء بها الواجب؛ أنّه ما يُثاب فاعله ويُعاقب تاركه.[٢]
الفرق بين الواجب والفرض
ذهب جمهور العلماء من المالكيّة والشافعيّة والحنابلة في الصحيح عندهم إلى القول بأنّ الواجب والفرض مترادفين ولا فرق بينهما، في حين ذهب الحنفيّة والإمام أحمد في قولٍ عنه إلى أنّ الفرض آكد وأثبت من الواجب؛ لأنّ الفرض عندهم ما ثبت بدليلٍ قطعي؛ كالمتواتر ومثل آيات القرآن الكريم، ويمكن التمثيل له بالأمر بالصلاة؛ فإنّ الأمر بها ثبت بآيةٍ قرآنيةٍ أي بدليلٍ قطعيّ؛ فهي بذلك فرضٌ، أمّا الواجب؛ فهو ما ثبت بدليل ظنيٍّ؛ كحديث الآحاد، ومثله: صلاة الوتر؛ فهي ثابتةٌ بحديثٍ آحاد أي دليل ظنيّ؛ فاعتبر الحنفيّة الوتر واجبًا لا فرضًا.[٣]
صيغ وأساليب الواجب
استعمل الشارع -سبحانه وتعالى- جملةً من الأساليب في خطابه تفيد الوجوب وتدلّ عليه، وتتمثّل هذه الأساليب في الآتي:[٢]
- فعل الأمر: فاستعمال الله تعالى فعل الأمر في النصوص الشرعية يفيد ويقتضي الوجوب، ومثال ذلك قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)،[٤] فأفعال الأمر أقيموا وآتوا وأطيعوا تُفيد الوجوب.
- المصدر النائب عن الفعل: فإذا جاء المصدر نائبًا عن فعله، أفاد الوجوب، ومثاله قول الله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ)،[٥] فالمصدر "ضَرْبَ" جاء نائبًا عن فعل الضرب؛ فأفاد الوجوب.
- الفعل المضارع المقترن بلام الأمر: إذا جاء الفعل المضارع متّصلًا بلام الأمر أفاد الوجوب، ومثال ذلك في خطاب الله تعالى قوله: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ)؛[٦] فالفعل المضارع "ينفق" جاء مقترنًا بلام الأمر فأفاد وجوب الإنفاق.
- اسم الفعل: ومن أسماء الفعل "مه" و"عليكم" فهذه الصيغ إذا وردت تفيد الوجوب، ومثالها قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ)،[٧] وقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "مَهْ، علَيْكُم بما تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا".[٨]
- ما ذُكر فيه لفظ الأمر صراحةً: مثل يأمر ويأمركم، ومن ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ)،[٩] وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً)،[١٠] وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ).[١١]
- الأساليب المجازيّة في اللغة العربيّة المستعملة للدلالة على الطلب الجازم: ترد أساليب مجازيّة في اللغة العربيّة تفيد الطلب الجازم، ومنها "كُتب"؛ كما في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)،[١٢] ولفظ "لله على"؛ كما في قول الله تعالى: (وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).[١٣]
- التصريح بلفظ يجب أو وجب أو فرض ومشتقّاتها: ومن ذلك قول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "أعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ".[١٤]
- التهديد أو ترتيب العقوبة على من ترك الفعل: ومثال ذلك قول الله تعالى: (وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا).[١٥]
أقسام الواجب
يُقسّم العلماء الواجب وفق اعتبارتٍ مختلفةٍ، وبيانها آتيًا:[١٦]
- أقسام الواجب باعتبار وقته، وينقسم إلى واجبٍ موسّعٍ ومُضيَّقٍ
- الواجب المُوسَّع: وهو ما يسع وقت أدائه لأداء أفعالٍ من جنسه، ومثاله الصلوات الخمس؛ فإنّ الوقت المسموح للصلاة يسع المسلم أن يصلي فيه غيرها.
- الواجب المُضيَّق: وهو الواجب الذي لا يتّسع فيه وقته لأداء فعلٍ من جنسه، كصيام رمضان؛ فإنّه لا يسع المسلم أن يقوم بصيام غير رمضان أثناء شهر رمضان.
- أقسام الواجب باعتبار ذاته، وينقسم إلى واجبٍ مُعيَّنٍ ومُخيَّرٍ.
- الواجب المعيَّنُ: وهو ما طلب الشارع فعله بعينه؛ كالصلوات المفروضة وصيام رمضان ونحوهما.
- الواجب المخيَّر: وهو ما خيّر الشارع في فعله بين أمورٍ وأفرادٍ محصورين، ومثاله كفّارة حنث اليمين؛ فهي واجبةٌ إلّا أنّ الحانث بيمينه مخيَّرٌ بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة؛ فهو ملزمٌ بالكفّارة إلّا أنّه مخيّرٌ في فعل أيّ من هذه الأمور للتكفير.
- أقسام الواجب باعتبار فاعله، وينقسم إلى واجبٍ عينيّ وكفائيّ.
- الواجب العينيّ: ما أوجبه الله تعالى على كلّ مكلَّفٍ بذاته وعينه؛ كالصلاة والصوم والحج.
- الواجب الكفائيّ: وهو ما أوجبه الله تعالى على جماعةٍ من المكلّفين لا كلّهم؛ فإذا قام فيه البعض سقط الإثم عن الباقين، ومثاله: صلاة الجنازة ودفن الميت.
- أقسام الواجب باعتبار تقدير الشرع له، وينقسم إلى واجبٍ مقدَّرٍ، وواجبٍ غير مقدَّرٍ.
- الواجب المقدّر: هو الواجب الذي قدّره الشرع بحدٍّ معيَّنٍ، ومثاله أنّ صلاة الفجر محدّدة من الشرع بركعتين، ومقدار الزكاة محّددٌ من الشرع ونحوهما.
- الواجب غير المقدَّر: وهو ما أوجبه الشرع إلّا أنّه لم يحدّد له مقدارًا معيَّنًا؛ كالنفقة على الزوجة والأولاد؛ فإنّها واجبةٌ على الزوج إلّا أنّ الشرع لم يحدّد مقدارها، وترك تحديد مقدارها للعرف.
المراجع
- ↑ عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه، صفحة 105. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه، صفحة 305-309. بتصرّف.
- ↑ محمد حسن عبد الغفار، تيسير أصول الفقه للمبتدئين، صفحة 10.
- ↑ سورة النور، آية:56
- ↑ سورة محمد، آية:4
- ↑ سورة الطلاق، آية:7
- ↑ سورة المائدة، آية:105
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:43، صحيح.
- ↑ سورة النحل، آية:90
- ↑ سورة البقرة، آية:67
- ↑ سورة النساء، آية:58
- ↑ سورة البقرة، آية:183
- ↑ سورة آل عمران، آية:97
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1395، صحيح.
- ↑ سورة الفتح، آية:13
- ↑ خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني (06/01/2020)، "أقسام الواجب من حيث: وقته، ذاته، فاعله، تقديره"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 31/10/2021. بتصرّف.