حكم الصلاة على سجادة فيها الكعبة

ذهب أهل العلم إلى جواز الصلاة على سجادةٍ فيها صورة الكعبة مع الكراهة، لأنّ هذه الصور والرسومات قد تُشوّش ذهن المصلي وتُذْهِب بعض خشوعه، واستدلوا بما ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى في خَمِيصَةٍ لَهَا أعْلَامٌ، فَنَظَرَ إلى أعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: اذْهَبُوا بخَمِيصَتي هذِه إلى أبِي جَهْمٍ وأْتُونِي بأَنْبِجَانِيَّةِ أبِي جَهْمٍ، فإنَّهَا ألْهَتْنِي آنِفًا عن صَلَاتي، ... كُنْتُ أنْظُرُ إلى عَلَمِهَا، وأَنَا في الصَّلَاةِ فأخَافُ أنْ تَفْتِنَنِي).[١] وأمر كذلك بنزع السّتر الذي كان أمامه؛ لأنّ النقوش فيه عُرضت عليه في صلاته.[٢]


والخميصة هي الثوب المخطّط، أمّا الأعلام فهي الزخارف والنقوش، والأنبجانية هي ثوبٌ أو كساء يخلو من النقوش والتطريز، ويجدر بالذّكر أنّ علّة الكراهة هنا ليست بسبب امتهان الأماكن المقدسة المرسومة على سجادة الصلاة، ففي الحقيقة لا امتهان بذلك، لأنّ الناس عادةً ما يعتنون بهذه السجاجيد، ويجعلون موطئ أقدامهم في المكان الفارغ من السجاد.[٣]


ولكن علّة الكراهة هي أنّها تشغل المصلّي وتُلهيه، وتُقلّل من خشوعه في الصلاة، أمّا لو قُدِّر أنّ المصلّي لن ينشغل بها لأنّه فاقدٌ لبصره، أو لأنّه لا يلتفت أبداً لمثل هذه الرسومات في صلاته ولا يهتمّ لذلك؛ فلا بأس حينها بالصلاة على مثل هذا السجّاد، ولا كراهة في ذلك، إلا أنّ الأوْلى والأفضل الصلاة على سجادٍ خالٍ منها لعموم الأحاديث السابقة.[٣]


حكم الجلوس على سجادة فيها الكعبة

يجوز الجلوس على سجادة الصلاة التي تحوي صورة الكعبة ونحوها من الأماكن المقدّسة، ولا حرج في ذلك؛ لأنّ الجالس عليها لا يقصد بفعله هذا امتهان الكعبة، كما أنّها من الرسومات وليست كعبة في الحقيقة،[٤] ويجوز أيضاً أن يتوسّد المسلم عليها، بحيث يضعها تحت رأسه عند النوم.[٥]


وقد قال الشيخ عبد الله بن عقيل عن نحو ذلك: "لا أعلم في استعمال السجادة لغير الصلاة مانعاً شرعياً، ولا محذوراً في دوسها بالقدمين على الصورة التي فيها، فإن الإنسان يدخل الكعبة، وهي بيت الله -تعالى- ويدوسها بأقدامه من غير نكير"، ثمّ قال: "لكن البحث الذي هو أهم من هذا، هو كراهة الصلاة على السجادة التي فيها نقوش وتصاوير إذا كانت تشغل المصلي وتقلل الخشوع؛ لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك".[٦]


حكم الصلاة على سجادة مزخرفة

لا يختلف حكم الصلاة على سجادٍ مزخرف عن حكم الصلاة على سجادة فيها صورة الكعبة؛ لنفس العلّة، فالحكم هو جواز الصلاة عليها مع الكراهة؛ لأنّها تشوّش ذهن المصلّي، والأفضل اختيار السجاد الذي لا يحتوي على النقوش والزخارف،[٧] لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- عن سُترة الصوف ذات الألوان: (أمِيطِي عَنِّي، فإنَّه لا تَزالُ تَصاوِيرُهُ تَعْرِضُ لي في صَلاتِي).[٨][٩]


وهناك علَّةٌ أخرى لكراهة الصلاة على السجاد المزخرف، خاصَّةً إذا كان سجاداً فاخراً وغالي الثمن، ولفت إليها العز بن عبد السلام -رحمه الله- فقال: "تُكره الصلاة على السجادة المزخرفة الملمّعة، وكذلك الرفيعة الفائقة، لأنّ الصلاة حال تواضع وتمسْكُن، ولم يزل الناس في مسجد مكة والمدينة يصلون على الأرض والرمل والحصى تواضعاً لله".[١٠]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:373، صحيح والثاني معلق.
  2. ابن جبرين، فتاوى الشيخ ابن جبرين، صفحة 9، جزء 13. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "الصلاة على السجاجيد التي بها صورة الكعبة أو الأماكن المقدسة"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 16/2/2023. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، فتاوى نور على الدرب، صفحة 2، جزء 22. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1392، جزء 9. بتصرّف.
  6. "حكم دوس السجادة المشتملة على صورة الكعبة بالقدمين"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 16/2/2023.
  7. ابن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 321، جزء 7. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5959، صحيح.
  9. "حكم الصلاة على السجاد المزخرف"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 16/2/2023. بتصرّف.
  10. مشهور آل سلمان، القول المبين في أخطاء المصلين، صفحة 66.