تعدّ الأسرة المسلمة من أهم عناصر بناء المجتمع، إن صَلحت وكانت قويّةً متماسكةً كان المجتمع كذلك متماسكًا قويّاً، والزواج هو السبيل لإقامة الأسرة، ولا بُدّ أن تكون العلاقة بين الزوجين علاقةً طيّبةً قائمةً على المودة والرحمة والاحترام،[١] وإنّ من الأمور التي تؤثّر على الحياة الزوجيّة واستقرارها؛ إفشاء الأسرار الزوجيّة، وفيما يلي حديثٌ عن حكمه وبعض المسائل المتّصلة به.


ما حكم إفشاء الأسرار الزوجية؟

يحرم إفشاء الأسرار الزوجيّة وإظهارها، ودليل ذلك قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الوارد في النهي عن إفشاء الأسرار بين الأزواج: "إنَّ مِن أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا"،[٢] وقد بيّن الإمام النووي في شرحه للحديث حُرمة إفشاء الرجل لما يكون بينه وبين زوجته من أمور الاستمتاع أو أن يصف أحدهم تفاصيل ذلك، إلّا إن كان ثمّة ضرورةٌ لوصف شيء ما أو نقله؛ فيجوز ذلك على أن يكون بشكل عام دون تصريحٍ، وقال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- سابق الذكر؛ إنّ فيه تحريمًا لإفشاء الأسرار التي تحدث بين الزوجين من قِبلِ أحدهما، وعدَّ ذلك من الكبائر؛ للوعيد الظاهر في الحديث بأن من يفعل ذلك هو من أشرّ الناس عند الله منزلةً في الآخرة.[٣]


فالأصل أنّ إفشاء الزوج أو الزوجة لأسرار الزوجيّة حرامٌ شرعًا، إلّا أنّه ثمّة أحوالٌ حكم العلماء فيها بجواز إفشاء أسرار الزوجيّة؛ كأن تقتضي مصلحةٌ شرعيةٌ ذكر شيءٍ ما من هذه الأسرار للسؤال عن حكمٍ شرعيّ ما وبيانه، أو للنصيحة والإصلاح بين الزوجين ودفع خصومةٍ بينهما؛ فيجوز حينها إفشاء بعض الأسرار، على أن يكون الكلام بأسلوب التعريض والتلميح لا التصريح، وبصورةٍ عامّةٍ مجملةٍ دون تفصيلٍ ما أمكن.[٣]


حكم الخيانة الزوجيّة

يُمكن تفصيل مسألة الخيانة الزوجية وما تُرتّبه من أحكامٍ بناءً على المقصود بالخيانة الزوجية، وتوضيح ذلك آتيًا:[٤]

  • إن كان المقصود بالخيانة الزوجيّة الزنا أو ارتباط أحد الزوجين بعلاقةٍ غير شرعيّةٍ مع أحدٍ ما؛ فهذا محرمٌ شرعًا، وهو من الفواحش العظيمة؛ لقول الله تعالى: (وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلًا).[٥]
  • إن كان المقصود بالخيانة الزوجيّة النظرات غير الشرعيّة، وعدم غض البصر؛ فإنّ ذلك محرّم ٌ بنص القرآن الكريم، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)،[٦] لكنّه ليس بعظم وسوء الزنا.


حكم إفشاء الأسرار عمومًا

إنّ الواجب على المسلم في كلّ حالٍ حفظ الأسرار وكتمانها، ويعدّ إفشاؤه لها أمرًا محرمًا؛ لأنّ الأسرار من الأمانات التي يجب حفظها، وإفشاؤها من قبيل خيانة الأمانة وإخلاف العهد؛ لما يترتّب على إفشائها من ضررٍ، وقد عاتب الله تعالى أمهات المؤمنين عائشة وحفصة -رضي الله عنهما- لإفشائهم السرّ الذي أخبرهما به النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كما جاء في قوله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّـهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ* إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّـهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّـهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ).[٧][٨]

المراجع

  1. د. سامية عطية نبيوة (2/4/2016)، "أسباب السعادة الزوجيّة"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/9/2021. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:1437، صحيح.
  3. ^ أ ب الشيخ محمد صالح المنجد (18/8/2015)، "حكم افشاء الأزواج للأسرار الزوجية ، وضابط ذلك"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 21/9/2021. بتصرّف.
  4. "نظرة الشرع للخيانة الزوجية وضرورة ضبط المصطلحات"، إسلام ويب، 24/4/2002، اطّلع عليه بتاريخ 21/9/2021. بتصرّف.
  5. سورة الاسراء، آية:32
  6. سورة النور، آية:30-31
  7. سورة التحريم، آية:3-4
  8. "ما حكم من يفشي الأسرار"، الإسلام سؤال وجواب، 21/04/2003، اطّلع عليه بتاريخ 24/10/2021. بتصرّف.