يأتي القذف في اللغة بمعنى الرمي بالحجارة، أمّا معنى القذف في الاصطلاح الشرعي؛ فهو اتّهام أحد الأشخاص بالزنا أو نفي نسبه لأبويه، أو اتّهامه بإقامة علاقة جنسية محرّمة كاللواط،[١] وصيغة القذف قد تكون بالتصريح أو بالكناية أو بالتعريض؛ فصيغته الصريحة كقول: يا زاني أو زنيت؛ فهذه ألفاظٌ واضحةٌ صريحةٌ ولا تحتمل معنى آخر، وأمّا الكناية؛ فكأن يقال في حق الرجل يا فاجر أو في المرأة يا خبيثة، وصيغة التعريض فكأن يقول شخصٌ أما آخر قاصدًا أن يُعرّض فيه: أمّا أنا فَلَسْتُ بِزَانٍ، وَأمي ليست زانية،[٢] وفيما يلي بيانٌ لحكم القذف وما يترتّب عليه من أحكامٍ.


ما حكم القذف؟

إنّ القذف كبيرةٌ من الكبائر التي تهلك صاحبها وتودي به إلى نار جهنم؛ وذلك بدلالة نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة، فأمّا في القرآن الكريم؛ فقد حذّر الله -عزّ وجلّ- من القذف وتوعد من يتّهمون المحصنات بالفاحشة بالعذاب الشديد يوم القيامة؛ فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)،[٣] وأمّا في السنّة؛ فقد روي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قوله: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ"،[٤][٥] والمحصنات هنّ النساء الحرّات العفيفات.[٦]


حدّ القذف وحكمه

شُرعت الحدود في الشرع؛ عقوبةً لمن ينتهك حُرماتٍ حدّدها الله تعالى، كالقذف الذي يخوض فيه القاذف في أعراض الناس ويرميهم بالفاحشة؛ أي يقذفهم بها، وقد أجمع العلماء على وجوب الحدّ على من قذف محصنًا، ويتمثّل حدّ القذف في جلد القاذف ثمانين جلدةً، وهذه العقوبة منصوصٌ عليها في القرآن الكريم، وذلك في قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،[٧] فإن تاب القاذف عن فعله وطلب العفو ممّن قذفه ورماه بالفاحشة، فعفا عنه؛ فإنّ الحدّ يسقط عن القاذف.[٨]


حكم قذف الزوج لزوجته بالزنا

لا يحقّ للزوج قذف زوجته واتّهامها بالزنا دون بيّنةٍ أو دليلٍ، فإذا طالبت الزوجة بحقّها؛ فإنّ الزوج مخيَّرٌ بين الإتيان بأربعة شهود يشهدون على زوجته بأنّها زنت، وإن لم يأتي بالشهود؛ فله أن يلاعن زوجته، وإن لم يفعل أيًّا من الأمرين، فإنّه في هذه الحالة قاذفٌ يستحقّ حد القذف، إلّا إن عفت زوجته عنه وأسقطت حقّها، فعندها يسقط عنه حدّ القذف.


حكم اتّهام الناس بالباطل

لا يجوز أن يتّهم الإنسان غيره بأي فعلٍ باطلٍ دون بيِّنةٍ، ودليل ذلك ما روي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بدَعْواهُمْ، لادَّعَى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأَمْوالَهُمْ، ولَكِنَّ اليَمِينَ علَى المُدَّعَى عليه"،[٩] فيجبُ أن يكونَ الاتهام مبنيًا على دليلٍ، والأصلُ فيمن يتّهم غيره بلا دليلٍ أن يتوب إلى الله تعالى، ويتحلّل من هذه المظلمة التي ارتكبها في حقّ غيره؛ لأنّ فيها قدحٌ له وتشويهٌ لسمعته.[١٠]

المراجع

  1. وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 5397-5403. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 16. بتصرّف.
  3. سورة النور، آية:23
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6857، صحيح.
  5. الشيخ ندا أبو أحمد (30/9/2015)، "حكم القذف وصوره والترهيب من الوقوع فيه"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/10/2021. بتصرّف.
  6. الضمانات والاستثناءات والمنافع والتسهيلات,الدولي بمنحها للبعثات ا... "تعريف ومعنى محصنات"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 01/11/2021.
  7. سورة النور، آية:4
  8. الشيخ محمد صالح المنجد (27/9/2008)، "حد القذف"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 21/10/2021. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1711، صحيح.
  10. الشيخ محمد صالح المنجد (3/9/2019)، "اتهمت شخصا بالسرقة ثم وجدت المال وتخاف أن تعتذر له فيرفع عليها قضية ضرر معنوي ويطالبها بالتعويض"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 21/10/2021. بتصرّف.