حكم إفشاء السر

إفشاء السر منهيٌّ عنه؛ لما يترتّب عليه من ضررٍ بصاحب السر، وقد يكون إفشاء السرّ من قبيل النميمة أو الغيبة، وهما ممّا ثبت تحريمهما بنصٍّ صريحٍ، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: "إذا حدَّثَ الرَّجُلُ بالحديثِ ثُمَّ التَفَتَ فهي أمانةٌ[١] وينقسم السّر إلى ثلاثة أنواعٍ، ولكلٍّ منها حكمه، وآتيًا بيانها:[٢]

  • النوع الأول: ما أمر الشارع بكتمانه؛ وذلك لما يترتّب عليه من مصلحةٍ دينيَّةٍ أو دنيويَّةٍ، وما يترتّب من ضررٍ على إفشائه، ومثاله؛ ما يجري بين الزوجين حال الجماع؛ فهذا منهيٌّ عن إفشائه؛ لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "إنَّ من شرِّ النَّاسِ عند اللهِ منزلةً يومَ القيامةِ الرَّجلَ يُفضي إلى المرأةِ"؛،[٣] والمقصود ذكر تفاصيل ما يقع بين المرأة والرجل من أمورٍ وتفاصيل، أمّا مجرّد ذكر الجماع؛ فإن كان لحاجةٍ، ويترتّب على ذكره فائدةٌ؛ فهو مباحٌ، وإن لم يكن لحاجةٍ؛ فذكره مكروهٌ، والمرأة والرجل سواءٌ في حكم عدم جواز إفشاء سرّ الجماع وما يحصل فيه.
  • النوع الثاني: ما طلب صاحبه كتمانه؛ فما ائتمنك عليه الغير لا يجوز إفشاؤه ولو كان لأخص أصدقاء صاحب السّر، وحتى لو كان بعد القطيعة، وممّا يدلّ على ذلك ما روته زينب امرأة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- أنّها قالت: "كُنْتُ في المَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ ولو مِن حُلِيِّكُنَّ وكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ علَى عبدِ اللَّهِ، وأَيْتَامٍ في حَجْرِهَا، قَالَ: فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: سَلْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أيَجْزِي عَنِّي أنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وعلَى أيْتَامٍ في حَجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أنْتِ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ علَى البَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بلَالٌ، فَقُلْنَا: سَلِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أيَجْزِي عَنِّي أنْ أُنْفِقَ علَى زَوْجِي، وأَيْتَامٍ لي في حَجْرِي؟ وقُلْنَا: لا تُخْبِرْ بنَا، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَن هُمَا؟ قَالَ: زَيْنَبُ، قَالَ: أيُّ الزَّيَانِبِ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عبدِ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ، لَهَا أجْرَانِ، أجْرُ القَرَابَةِ وأَجْرُ الصَّدَقَةِ[٤] فإنّ إخبار بلال -رضي الله عنه- باسم المرأتين لا يعدّ إفشاءً للسر؛ لأنّهما لم تلزماه به، ولأنّ إجابة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أوجب من كتمان السر.
  • النوع الثالث: ما اطّلع عليه صاحبه بدافع المهنة؛ كالطبيب مثلًا، وهذا لا يجوز إفشاؤه، قال عليه الصلاة والسلام: "ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ".[٥]


الأحوال التي يجوز فيها إفشاء السر

صرّح الفقهاء بأنّه يجوز في أحوالٍ إفشاء السر، ومن هذه الأحوال: إفشاء السرّ للحكم في مسائل رُتّب عليها حدٌّ شرعي، وللشهادة بالإفشاء أو الستر، والستر أفضل إن كان الحقّ لله تعالى، واستدلوا بقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "لَو ستَرتُهُ بثَوبِكَ كان خيرًا لكَ[٦] وقوله: "ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ[٥] واستثنوا من ذلك المنغمس في المعاصي الذي لا يبالي بإتيانه للمحظورات ولا يتألّم لذكره بالمعاصي.[٧]

المراجع

  1. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سنن أبي داود، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:4868.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 292-294. بتصرّف.
  3. رواه ابن القطان، في الوهم والإيهام، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:4/450.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:1466.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2442.
  6. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن نعيم بن هزال الأسلمي، الصفحة أو الرقم:2335.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 294. بتصرّف.