حكم تفسير الأحلام عن دراية
إنّ تعبير الرؤى جائزٌ إذا كان عن علمٍ ومعرفةٍ ودِراية، وهو ليس بواجبٍ، فمَن كان مختصَّاً في ذلك وحباه الله بمعرفةٍ في تفسير الرؤى والأحلام جاز له تأويل الرؤى، مع الإشارة إلى أنّه قد يُصيب وقد يُخطئ، وممّا يدلّ على جواز تفسير الرؤى أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يعبّرها أحياناً، ويترك فعل ذلك أحياناً أخرى.[١]
وقد جاء رجلٌ إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يقصّ عليه رؤياه، فلمّا فعل قال أبو بكر -رضي الله عنه- للنبي الكريم: (يا رَسولَ اللَّهِ، بأَبِي أنْتَ، واللَّهِ لَتَدَعَنِّي فأعْبُرَهَا، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اعْبُرْهَا)، وبعد أن عبّرها قال -رضي الله عنه- للنبيّ: (فأخْبِرْنِي يا رَسولَ اللَّهِ -بأَبِي أنْتَ- أصَبْتُ أمْ أخْطَأْتُ؟ قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أصَبْتَ بَعْضًا وأَخْطَأْتَ بَعْضًا. قالَ: فَوَاللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ، لَتُحَدِّثَنِّي بالَّذِي أخْطَأْتُ، قالَ: لا تُقْسِمْ).[٢]
ويجدر بالذّكر أنّ تأويل الرؤى والأحلام يبقى ظنِّياً اجتهادياً، ويبقى أمر وقوع ما فُسِّر في علم الله -تعالى-، فلا ينبغي الاعتقاد بأنّ تأويل الرؤيا التي سمعها الرائي ستتحقّق لا محالة، ولا ينبغي أيضاً أن يبني حياته وأموره عليها، ويُستحبّ إن كان تأويلها خيراً أن يتفاءل بها من باب حسن الظنّ بالله -تعالى-، فإن كان تأويلها غير ذلك فلا يخاف، بل يتعوّذ من شرّها ويكتمها، فلا تضرّه بإذن الله.[١]
حكم تفسير الأحلام بغير علم
لا يجوز تعبير الرؤى والأحلام بغير علمٍ ودراية، وقد قال الإمام مالك: "لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت"،[٣] وقال القيرواني: "ولا ينبغي أن يفسر الرؤيا من لا علم له بها"، وعلّل الشارح ذلك فقال: "لأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْكَذِبِ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ مِنْ غَيْرِ الْعَالِمِ كَذِبٌ"،[٤] ويدلّ على حرمة تأويل الرؤى بغير علمٍ قول الله -عز وجل-: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).[٥]
وقد عدّ أهل العلم أنّ تعبير الرؤى كالفتوى، ومعلومٌ أنّ الفتوى بابها العلم لا الظنّ والادّعاء، لِذا يقول الشيخ عبد العزيز آل الشيخ: "أما المعبِّرون : فالواجب عليهم تقوى الله عز وجل، والحذر من الخوض في هذا الباب بغير علم؛ فإن تعبير الرؤى: فتوى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)".[٦][٧]
حكم قراءة كتب تفسير الأحلام
لا حرج في قراءة كتب تفسير الأحلام المعتمدة للاستفادة منها، لكن بشرط أن لا يكون الاعتماد عليها وحدها، فهذا ليس كافياً، بل لا بدّ من الاطّلاع على الأدلة، والنّظر في المناسبات والقرائن، وإن أشكل على القارئ شيء قال: لعلّها تدلّ على كذا،[٨] وقد جاء في فتاوى دائرة الإفتاء الأردنية: "كتب تفسير الأحلام لا يمكن الاعتماد عليها؛ لأنها توقعات، وليست أحكاماً شرعية".[٩]
ويرى العديد من أهل العلم عدم جواز تعبير الرؤى بمجرّد النظر في كتب تفسير الأحلام؛ لأنّ تفسير الرؤيا يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال، ويحتاج ذلك لمعرفة القرائن والتثبّت منها قبل تعبير الرؤيا، فليس لمن لا دراية له بأصول التعبير أن يُفسّر للناس أحلامهم بمجرّد النظر في كتب تفسير الأحلام، لأنّ هذا العلم كبير يحتاج إلى العديد من الأدوات والمهارات والعلوم التي تُساعد في تأويل الرؤيا عن علمٍ وبصيرة.[١٠]
المراجع
- ^ أ ب "هل تفسير الأحلام والإيمان بها حرام؟ وهل يتحقق ما يُرى في الحلم؟"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 18/1/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:7046، صحيح.
- ↑ سهل العتيبي، الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين، صفحة 452.
- ↑ النفراوي، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، صفحة 353، جزء 2.
- ↑ سورة الإسراء، آية:36
- ↑ سورة يوسف، آية:43
- ↑ "فتنة الناس بالمنامات والرؤى، وهل تقع الرؤيا عند أول تعبير لها؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 18/1/2023. بتصرّف.
- ↑ "حكم قراءة كتب تفسير الأحلام"، الشيخ ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 18/1/2023. بتصرّف.
- ↑ "هل كتب تفسير الأحلام صحيحة؟"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 18/1/2023.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1450، جزء 9. بتصرّف.