اللَّطم في اللغة الضرب على الخدّ بباطن الكفّ؛ يقال: لطمت المرأة وجهها لطمًا: ضربته بباطن كفّها،[١] ولا يخرج اللطم في الاصطلاح عن معناه اللغويّ، فيستعمل الفقهاء المعنى نفسه للدلالة على ضرب الخديّن بباطن راحة اليد،[٢] ويُقدم بعض الناس على لطْم الوجه عند تعرّضهم لمصيبةٍ؛ تعبيرًا عن حزنهم، وآتيًا بيان حكم الوجه، وبعض ما يتّصل به من أحكام.


ما حكم لطم الوجه؟

اتفق الفقهاء على أنّه يَحرم لطم الخدود وخمشها، وشقّ الثياب ونحو ذلك من الأفعال عند المصيبة، وهو فعلٌ من أفعال الجاهليّة، لما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: "ليسَ مِنَّا مَن ضَرَبَ الخُدُودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعا بدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ"،[٣] ففي الحديث دلالة صريحة على تحريم هذا الفعل.[٤]


حكم من قام بلطم الوجه عند المصيبة

إذا قام المسلم بلطم وجهه عند تعرّضه لمصيبة ما؛ فعليه أن يتوب إلى الله -سبحانه وتعالى- ويستغفره من هذه المعصية، وأن يندم عليها، ويعزم على عدم العودة إليها مستقبلًا،[٥] قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)؛[٦] لأن هذا الأمر علامة على تسخّط الإنسان، وهي من أمور الجاهليّة التي طمسها الإسلام، وينبغي للمؤمن عند تعرضه للمصائب، والمحن، والبلاء، والاختبار، وما إلى ذلك أن يمتثل هدي الإسلام في المصائب؛ قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)،[٧] ويقول أيضًا ما أمر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بقوله: "اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لي خَيْرًا منها"،[٨] وعليه تَذَكُّرِ قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له[٩] وأن يصبر على ذلك؛ لأنّ الله تعالى وعد الصابرين بأجرٍ عظيمٍ كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).[١٠][١١]


حكم الضرب على الوجه

يحرم الضّرب على الوجه، سواء كان ذلك الضرب لإنسانٍ أم لحيوانٍ، ويدخل في ذلك ضرب التأديب كضرب الأب أو الأم أولادهما تأديبًا لهم، ويحرم الضرب على الوجه حتّى في الحدود والتعازير،[١٢] ودليل ذلك آتيًا:[١٣][١٤]

  • ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "إذا قاتَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ".[١٥]
  • أنّ الوجه يجمع محاسن الإنسان، وأكثر الإدراك يكون بالحواس الموجودة في وجهه؛ فقد تتأثر هذه الحواس ويتأثّر إدراكه بضرب الوجه، وقد ينقصها، وقد يتشوّه بالضرب.
  • ولِما فيه من المُثلَة، وهي العقوبة التي فيها تمثيلٌ بالمعاقَب، وقد نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن المثلة؛ كما أخرج البخاري في صحيحه عن قتادة -رضي الله عنه- قوله: "بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنِ ‌المُثْلَةِ".[١٦]


المراجع

  1. الفيومي، المصباح المنير، صفحة 553.
  2. عبد الباقي الزرقاني، شرح الزرقاني على مختصر خليل، صفحة 29.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:3519 ، صحيح.
  4. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 245. بتصرّف.
  5. "لطم الخدود عند المصيبة حكمه وكفارته"، اسلام ويب، 5-7-2003، اطّلع عليه بتاريخ 25-10-2021. بتصرّف.
  6. سورة الزمر، آية:53
  7. سورة البقرة، آية:156
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم سلمة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:918، صحيح.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان الرومي، الصفحة أو الرقم:2999، صحيح.
  10. سورة الزمر، آية:10
  11. د.عبد الله الفريح (8/2/2016)، "تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 25-10-2021.
  12. الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، صفحة 198. بتصرّف.
  13. "النهي عن ضرب الوجه مطلقا"، اسلام ويب، 12-4-2005، اطّلع عليه بتاريخ 25-10-2021. بتصرّف.
  14. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 366. بتصرّف.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2559 ، صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4192 ، صحيح.