حكم مؤخر الصداق في الشرع

الصّداق حقّ ثابت شرعاً من حقوق الزّوجة، وقد أجاز الفقهاء تأجير المهر؛ فيصحّ أن يكون المهر معجلاً ومؤجلاً بعضه أو كلّه، إلى أجل قريب أم بعيد، أو إلى أقرب الأجلين: الوفاة أو الطلاق؛ مع مراعاة العرف والعادات المعمول بها في كل بلد من البلدان الإسلامية؛ لأنّ المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، إضافةً إلى أن يكون هذا التأجيل لوقت محدد معلوم، دون جهالة فاحشة، أمّا إذا لم يتمّ تقسيم المهر بين مؤجل أو معجل، أو لم يجري العُرف على التّقسيم استحق المهر معجلاً كلّه؛ وذلك لأنّ المهر أثر من آثار عقد الزواج، والمسكوت عنه يرجع إلى أصله، والأصل هنا دفع المهر كاملاً مُعجلاً، على اعتبار أنّ العقد هنا كعقد المعاوضة، يجب المساواة بين الطرفين.[١]


وقد فصّل بعض الفقهاء في مسألة تأجيل المهر؛ فذهبوا إلى أنّ المهر إن كان في عرف أهل البلد يجب حاضراً؛ كالثوب والبيت ونحوه، لم يصحّ التأجيل ولو تمّ الاتفاق على ذلك، أو رضيت المرأة بهذا التأجيل؛ لذا وجب تسليمه للمرأة أو وليّها يوم العقد وإلا كان فاسداً، أمّا إن كان بعرف أهل البلد جواز تأجيل المهر عُمِل بذلك، وصحّ النكاح.[١]


دفع مؤخر الصداق

ذهب العلماء إلى أنّ مؤخر الصداق إذا تم تأجيله إلى وقت معلوم استُحِق عند حلول الأجل، أمّا إذا أُطلق تأجيله دون تحديد موعد التسليم؛ استُحِق في الحالات الآتية:[٢]

  • عند الطلاق والفسخ؛ فإذا طلق الرجل زوجته طلاقاً بائناً أو رجعياً وانتهت عدّتها وجب لها مؤخر الصداق، وكذلك الأمر في حال تم فسخ عقد النكاح.
  • عند وفاة الزوج؛ فإذا مات الزوج استحقت الزوجة مؤخر صداقها من التركة، وذلك قبل توزيعها وقبل إخراج وصيته منها، لأنّ مؤخر الصداق دين في ذمّة الزوج، حاله كحال الدّيون الأخرى التي يجب سدادها من التّركة.
  • عند وفاة الزوجة؛ فإذا توفيت الزوجة كان مؤخر صداقها من حقّ ورثتها، ويضمّ إلى مجموع تركتها.


وقد تكلّم العلماء في حكم مؤخر الصداق في حال توفي الزوجان معاً؛ فقالوا إنّ ورثة الزوجة لهم الحقّ بأخذ مؤخر الصداق من تركة الزوج، وهذا في حال ماتا معاً أو لم يُعلم سبق أحدهما بالموت، أو في حال مات الزوج أولاً؛ وذلك لأنّ مؤخر الصداق دين في الذمة وجب بالموت، أمّا في حال تبيّن موت الزوجة أولاً سقط من مؤخر الصداق مقدار نصيب الزوج، على اعتبار أنّه من تركتها.[٣]


هبة مؤخر الصداق

يجوز للمرأة الرشيدة العاقلة التّصرف بمهرها كيفما شاءت، بيعاً وشراءً وهبةً؛ ولا يجوز لأحد التّصرف فيه بغير إذنها ورضاها، كما يجوز لها أن تهب مؤخر الصداق لزوجها أو تهبه كلّ صداقها الذي تقرر به النكاح؛ وذلك لقوله -تعالى-: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).[٤][٥]


الإبراء من مؤخر الصداق

ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز إبراء المرأة لزوجها من مؤخر الصداق كلّه أو بعضه؛ استدلالاً بقوله -تعالى-: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ)،[٦] والفريضة هنا هي التسمية المتفق عليها بالصداق، فلا حرج على الزوجين فيما تراضيا بينهما من بعد هذه الفريضة، وإن كانت الآية تُصرف أيضاً بجواز زيادة المهر المُسمّى بالإضافة إلى الحطّ -التقليل- منه، بشرط أن يكون ذلك من امرأة عاقلة وضمن موافقتها وإرادتها؛ لا بالإكراه والتهديد والإجبار.[٧]


المخالعة بمؤخر الصداق

إذا كرهت زوجها بسبب خُلقه أو هيئته، أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك؛ مما قد يجعلها تُقصر في حقّه، أو لا تقوم به على النحو المطلوب؛ جاز لها أن تفتدي نفسها منه بعوض مقابل الطلاق منه، ويجوز أن يكون العوض بالإبراء من مؤخر الصداق؛ لقوله -تعالى-: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)،[٨] ولما ثبت عن امرأة ثابت بن قيس -رضي الله عنهما- أنّها افتدت نفسها بالحديقة التي وهبها لها زوجها، وطلقها النبي -صلى الله عليه وسلم- منه بذلك.[٩][١٠]


زكاة مؤخر الصداق

تعددت آراء العلماء في مسألة وجوب الزكاة في مؤخر الصداق، على اعتبار أنّه دين للزوجة في ذمة زوجها، وفيما يأتي تلخيص هذه الآراء:[١١]

  • لا زكاة على مؤخر الصداق طالما لم تقبضه المرأة من زوجها، ولم يحول عليه الحول، وهو مذهب الحنفية وبعض الشافعية، وأحد أقوال الإمام أحمد؛ وذلك على اعتبار أنّ مؤخر الصداق في مثل هذه الحالة مال غير نامي، وغير حاضر يمكن الانتفاع به، وأنّه دين غير مقبوض؛ وهو القول الراجح عند كثير من أهل العلم.
  • تجب الزكاة على مؤخر الصداق إذا قبضته المرأة، وتزكي عنه بمقدار عام واحد فقط؛ وهو مذهب المالكية، وأحد الأقوال عند الحنابلة.
  • تجب الزكاة على مؤخر الصداق عندما تقبضه المرأة على ما مضى؛ وهو قول الشافعية، والمعتمد عند الحنابلة.



مواضيع أخرى:

ما حكم تكرار عقد النكاح؟

ما حكم من لا يريد الزواج؟

المراجع

  1. ^ أ ب وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 6787-6788، جزء 9. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 239-240، جزء 83. بتصرّف.
  3. بدر الدين العيني، البناية شرح الهداية، صفحة 197، جزء 5. بتصرّف.
  4. سورة النساء، آية:4
  5. محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 71، جزء 4.
  6. سورة النساء، آية:24
  7. ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، صفحة 30-31، جزء 18. بتصرّف.
  8. سورة البقرة، آية:229
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:5276، صحيح.
  10. محمد طاهر الجوابي، المجتمع والأسرة في الإسلام، صفحة 162. بتصرّف.
  11. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 275-279، جزء 83. بتصرّف.