حكم بيع الطيور

تكلّم الفقهاء المتقدمون في حكم بيع الحيوانات المختلفة، وتكلّموا تحديداً في حكم بيع الطيور، وقد فصّلوا في ذلك، وبيّنوا القاعدة العامة التي يمكن اعتبارها في هذه المسألة؛ فذهبوا إلى الآتي:[١]

  • جواز بيع ما يُؤكل لحمه من الطيور كالحمام، والدجاج، وأنواع العصافير المختلفة؛ وذلك لأنّها مما يُنتفع به قياساً على ما يُؤكل لحمه من الحيوانات؛ كالبقر والغنم والإبل.
  • جواز بيع الطيور التي يُنتفع بها في الصّيد؛ كالنسر، والصقر، والشاهين والعقاب، ونحوها مما كان قابلاً لتعليم الصّيد أو متعلّماً له، وقد أجاز الحنفيّة بيع ذوات المخلب سواء أكانت معلّمة أو غير معلّمة؛ لأنّها طيور منتفع بها فأبيح اقتناؤها، وبيعها وشراؤها.
  • جواز بيع الطيور التي يُنتفع بلونها، أو جمال صوتها أو تغريدها؛ كالطاووس والبلبل، والببغاء، ونحوها، بالإضافة إلى الطيور التي قد يُستفاد منها في الصّيد بأن تكون طُعماً في الشباك.
  • الطيور التي لا يُمكن الانتفاع بها أو تعليمها، أو لا فائدة من اقتنائها كالغراب والحدأة ونحوها؛ فلا يجوز بيعها، ويعدّ مالها مالاً باطلاً، ويعدّ بذل المال لشرائها نوعاً من أنواع السّفه.


ما حكم بيع الطيور في السماء؟

من الجدير بالذكر أنّ الفقهاء أفتوا بحرمة بيع الطيور في السماء سواء أكانت مملوكة، أم غير مملوكة، وفي المسألة تفصيل على النحو الآتي:[٢]

  • إن كانت الطيور مملوكة لكنّها في السماء؛ فإنّه يُعترض على جواز بيعها بأنّ من شروط صحّة البيع أن يكون البائع قادراً على التسليم عند البيع؛ وهذا أمر متعذّر بالنسبة للطير الذي في السماء.
  • إن كانت غير مملوكة، فتجتمع فيها علّة تعذّر التسليم مع عدم الامتلاك؛ وهذا يدخل في معنى بيع الغرر الذي نهت عنه في الشريعة الإسلامية.


مسائل هامة في حكم بيع الطيور

حكم بيع الطيور غالية الثمن

أفتى بعض أهل العلم بجواز بيع الطيور التي قد تكون مرتفعة الأسعار لندرتها، وقلّة تواجدها، وحاجة الناس إليها وطلبها؛ أمّا إن كان ذلك من باب اللهو المنهيّ عنه، وإضاعة الوقت والمال فلا يجوز ذلك، ويعدّ هذا البيع من باب الإعانة على الإثم والعدوان، والأولى بذل المال فيما فيه مصلحة ومنفعة؛ فقد تموت هذه الطيور، وقد تُفترس من قبل الحيوانات فيضيع ثمنها، وتذهب قيمتها.[٣]


حكم بيع الطيور المحنّطة

تعددت آراء الفقهاء في مسألة الحيوانات والطيور المحنّطة؛ بيعاً وشراءً، فمنهم من أجاز ذلك، ومنهم من منعه؛ وقد استدلّ كلّ فريق على عدد من الأدلة والشواهد المُعتبرة، وتالياً بيان هذه الآراء مع أدلتها:


  • الجواز

ذهب بعض أهل العلم إلى القول بجواز بيع الحيوانات المحنّطة، واقتنائها؛ وقالوا بأنّ نصبها على الجدران، ووضعها في البيوت أمر لا بأس به، وذلك لما يأتي:[٤]

  • إنّ هذه الحيوانات والطيور المحنّطة ليست من قبيل التماثيل؛ لأنّها من خلق الله -سبحانه وتعالى-.
  • تشابه هذه الحيوانات المحنّطة دمى الأطفال، وما يُلهى به من الألعاب؛ وهي مما لم تحرّمه الشريعة الإسلاميّة، بدليل قول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كُنْتُ ألْعَبُ بالبَنَاتِ عِنْدَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وكانَ لي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكانَ رَسولُ اللَّهِ إذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ منه، فيُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي).[٥]
  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينهَ أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، عن اللعب بالدّميّة التي كانت على شكل حصان له جناحان؛ ففي الحديث عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (... ورأى -تقد رسول الله- بينَهُنَّ -بين الدمى- فرسًا له جناحين مِن رِقاعٍ، فقال: ما هذا الذي أرى وَسَطَهُنَّ؟ قالت: فَرَسٌ، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جَناحان، قال: فرسٌ له جَناحانِ؟ قالت: أما سَمِعْتَ أن لسليمانَ خيلًا لها أجنحةً؟ قالت: فضَحِكَ حتى رَأَيْتُ نواجذَه).[٦]


  • عدم الجواز

رجّح فريق آخر من أهل العلم عدم جواز بيع واتخاذ الحيوانات والطيور المحنّطة؛ سواء أكانت مما يُباح اقتناؤه حياً، أو مما لا يجوز اقتناؤه؛ استناداً لما يأتي:[٧]

  • إنّ ذلك في إضاعة للمال، وإسراف وتبذير بغير حاجة معتبرة؛ وقد نهت الشريعة الإسلاميّة عن كل ذلك.
  • إنّ ذلك وسيلة إلى تصوير الطيور وغيرها من ذوات الأرواح، وهو أمر منهيّ عنه بصريح النصوص الشرعيّة؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هذِه الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَومَ القِيامَةِ، يُقالُ لهمْ: أحْيُوا ما خَلَقْتُمْ).[٨]
  • التّنزه عن مشابهة الأقوام والأمم السابقة بالتحنيط؛ فإنّ الشرك أول ما ظهر في قوم نوح -عليه السلام- عندما أقاموا تماثيل للرجال الصالحين؛ فعبدوها من بعدهم، وقد جاء ذكرهم في القرآن الكريم والسنة النبويّة؛ وهم: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر.

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 148، جزء 29. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 148، جزء 29. بتصرّف.
  3. ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح، صفحة 18، جزء 45. بتصرّف.
  4. مجموعة من المؤلفين، الدرر البهية من الفتاوى الكويتية، صفحة 201، جزء 5. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6130، صحيح.
  6. رواه داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4932، صححه الألباني.
  7. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 110، جزء 33. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5951، صحيح.