جواز شراء الأجهزة الكهربائية بالتقسيط
أفتى جمهور أهل العلم -من المتأخرين- بجواز شراء الأجهزة الكهربائيّة بالتقسيط، وبيّنوا أنّ أصل هذا البيع ثابت في السنّة النبويّة؛ ففي الصحيح عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقالَتْ: كَاتَبْتُ أهْلِي علَى تِسْعِ أوَاقٍ، في كُلِّ عَامٍ وقِيَّةٌ...)؛[١] وقد أقرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا البيع، لمّا أخبرته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- به.[٢]
ولعموم قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ...)،[٣] بالإضافة إلى أنّ الناس قد تعارفوا على البيع بالآجل منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.[٤] ولقد اشترط هؤلاء المجيزون عدّة شروط لجواز بيع الأجهزة الكهربائيّة بالتقسيط؛ عدّة ضوابط وشروط؛ نذكر منها:[٢]
- أن يكون البائع مالكاً لهذه الأجهزة قبل بيعها للمشتري؛ لأن الإنسان إذا ملك الشيء جاز له بيعه بما شاء؛ فوراً أو مؤجلاً.
- أن يكون ثمن الأجهزة الكهربائيّة معلوماً عند العقد؛ ومتفقاً عليه بين البائع والمشتري.
- أن يكون ثمن هذه الأجهزة والسلع مباحاً، مما أجازته الشريعة الإسلاميّة.
- أن يكون القسط المؤجل معلوماً.
- أن لا يترتب على التأخير في دفع القسط المؤجل أيّ غرامة، أو زيادة؛ فهذا من باب الربا المحرّم.
ضوابط هامّة في حكم الشّراء بالتقسيط
فرّق بعض أهل العلم بين صور البيع بالتقسيط المباحة والمحرّمة؛ فقالوا إن خلا بيع التقسيط من أحد الشروط السابقة؛ صار محرّماً، ونبّهوا إلى أمر هام قد يقع فيه بعض الناس جهلاً بحكمه أو غفلةً منهم؛ فقالوا إنّ عدم شراء البائع للأجهزة الكهربائيّة أو للسلع الأخرى، شراءً حقيقياً، والقيام بدفع الثمن نيابةً عن المشتري -دون القول بتملّكه لهذه السلعة-؛ ثم استرداده فيما بعد من المشتري مع اشتراط الزيادة عليه يُعتبر من الربا.[٥]
والأصل أن يشتري البائع السلع، ويتملّكها تملكاً حقيقياً؛ ثم يبيعها بالثمن الذي يشاء، بيعاً مقسطاً؛ فهذا جائز لا حرج به -مع الأخذ بعين الاعتبار الشروط السابقة-، وبه تتعامل الكثير من البنوك والمصارف الإسلاميّة.[٥]
حكم بيع التقسيط مع الزيادة
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة والحنابلة، إلى جواز أخذ الزيادة على ثمن السلعة لأجل التقسيط، واعتمدوا في قولهم هذا على عدد من الأدلة المُعتبرة؛ من الكتاب العزيز والسنة النبويّة، والعقل؛ ويمكن توضيح هذه الأدلة على النحو الآتي:[٦]
- قوله -تعالى-: (... وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا...)؛[٧] فلفظ البيع ورد مطلقاً، سواء أكان بزيادة أو بنفس الثمن، أو بأقلّ منه، كما أنّ المحرّم في الآية الكريمة هو الرّبا لا البيع.
- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ...)؛[٨] وهذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ الربح الحاصل من التجارة، القائمة على تراضي الطرفين حلال مباح؛ فالحرام هو أكل أموال الناس بالغشّ والخداع والحيلة؛ ونحوها من الأمور المحرّمة، وبيع التقسيط مع الزيادة ليس منها.
- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما البيعُ عَن تراضٍ)؛[٩] فالحديث النبويّ يدلّ على أنّ الشرط الأساسيّ في ثمن البيع والشراء هو التراضي، وفي بيع التقسيط مع الزيادة إذا تراضى الطرفان، وقَبِل المشتري هذه الزيادة مقابل الأجل فالعقد صحيح، ولا شبهة فيه ولا حُرمة.
- إنّ البيع بالتقسيط مع الزيادة في الثمن من الأمور التي تستدعيها الحاجة، والمصلحة العامة؛ لئلا يحصل الرّكود في الأسواق والمعاملات.
- إنّ القول بجواز بيع التقسيط مع الزيادة فيه مصلحة للبائعين؛ الذين قد ينحبس عنهم البيع لمدّة من الزمن، ويحرمون مما قد يأتيهم من الربح فيما لو باعوا السلع نقدًا وتاجروا بها، لذا فإن من حقّهم أن يحسبوا للأجل حسابه.
- إنّ السلع تختلف أسعارها بين الأزمان، وبحسب توفرها وحاجة الناس إليها؛ فقد تكون اليوم بسعر محدد، ثم يزداد سعرها في الغد؛ فلهذا جاز للبائع أن يزيد في سعرها بالتقسيط ليضمن حقّه في تباين الأسعار.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم:2168، صحيح.
- ^ أ ب لجنة الإفتاء (12/6/2012)، "حكم البيع بالتقسيط"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 9/3/2023. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:282
- ↑ ابن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 60، جزء 19. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 2407، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، صفحة 236-243، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:275
- ↑ سورة النساء، آية:29
- ↑ رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:1792، صححه الألباني.