الترتيب في الوضوء واجب أم مستحب؟
اختلف العلماء في حكم الترتيب في غُسل أعضاء الوضوء، وذهبوا في ذلك إلى قولَين بيانهما آتياً:
القول الأول: الترتيب في الوضوء مستحبٌ
ذهب الحنفية والمالكية إلى أنّ غسل أعضاء الوضوء بالترتيب سنةٌ من سنن الوضوء ومستحبٌ من مستحباته، وفقاً واستدلالاً بالأدلة الآتي بيانها:[١][٢]
- قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)،[٣] فاستدلوا بذلك أنّ ذكر الأعضاء المفروضة للوضوء لا يوجب النسق والترتيب بل يوجب ذلك الجمع بين الأعضاء المذكورة.
- قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت"، ولم يصحّ قوله.
- ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه غسل وجهه، ثمّ يديه، ثمّ رجليه، ثمّ مسح برأسه، ولم تتبيّن درجة صحّة القول.[٤]
- القياس على الطهارة الكبرى، فقد أجمع العلماء على عدم وجوب الترتيب في الطهارة من الجنابة بالغُسل وهي طهارة من الحدث الأكبر، فمن بابٍ أولى عدم الترتيب في الطهارة من الحدث الأصغر.
القول الثاني: الترتيب في الوضوء واجبٌ
قال الشافعية والحنابلة إنّ الترتيب في غُسل أعضاء الوضوء واجبٌ من واجباته لا يصحّ دون ترتيبٍ، وقد استدلّوا ببعض الأدلة التي يُذكر منها:[١][٥]
- قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)،[٣][٣] فالأمر في الآية للوجوب على الغسل بالترتيب ولا يوجد أيّ دليلٍ يصرف الترتيب عن الوجوب.
- أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عمرو بن عبسة -رضي الله عنه-: (ما مِنكُم رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ، وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ؛ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كما أَمَرَهُ اللَّهُ، إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِن أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مع المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلى المِرْفَقَيْنِ، إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِن أَنَامِلِهِ مع المَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِن أَطْرَافِ شَعْرِهِ مع المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلى الكَعْبَيْنِ، إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِن أَنَامِلِهِ مع المَاءِ)،[٦] كما أنّ الأحاديث الصحيحة الكثيرة الواردة عن الصحابة في بيان صفة وضوء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وكثرة المواطن التي رأوه فيها جاءت كلّها مرتبةً مع كثرتها، وفعله -صلّى الله عليه وسلّم- بيانٌ للوضوء المأمور به ولو جاز ترك الترتيب لتركه في بعض الأحوال لبيان الجواز، كما أنّ حرف ثمّ حرف عطفٍ يفيد الترتيب.
- إنّ مذهب العرب إذا ذكرت أشياء وعطفت بعضها على بعضٍ بدأت بالأقرب فالأقرب، فلمّا بدأ الله -سبحانه وتعالى- بالوجه ثمّ باليدين ثمّ بالرأس ثمّ بالرجلين دل ذلك على الأمر بالترتيب؛ أي أنّ الترتيب في غُسل أعضاء الوضوء واجبٌ، وإلّا لعطف الأعضاء بعضها على بعضٍ بحرف عطفٍ لا يفيد الترتيب.
المراجع
- ^ أ ب دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 569-580. بتصرّف.
- ↑ دبيان محمد الدبيان (11/5/2011)، "من فروض الوضوء الترتيب"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 4/1/2022. بتصرّف.
- ^ أ ب ت سورة المائدة، آية:6
- ↑ رواه ابن الجوزي، في تنقيح التحقيق، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1/222.
- ↑ "التَّرتيب في الوضوء"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 4/1/2022. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمرو بن عبسة، الصفحة أو الرقم:832، صحيح.