حكم رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة
يُشرع للمسلم أن يرفع يديه أثناء الدعاء بعد الصلاة، ولا يُنكر عليه فعله، فرفع اليدين في الدعاء عموماً مستحبٌّ، وقد دلّ على استحبابه العديد من الأحاديث النبوية الشريفة -باستثناء مواضع نصّت عليها النصوص الشرعية-، والدعاء بعد صلاة الفريضة مشروع، فقد ثبت أنّ النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- كان يدعو بعد الصلاة.[١]
وقد بوّب البخاري في صحيحه باباً سمّاه: "باب الدعاء بعد الصلاة"، وبناءً على ذلك فالأصل أن يرفع المسلم يديه متضرِّعاً إلى الله -عز وجل- مظهراً فقره وحاجته وانكساره إليه، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا ما ثبت أنّ النبي الكريم كان يدعو فيه دوماً دون رفع يديه؛ كخطبة صلاة الجمعة، وأثناء الصلاة، أمّا ما سِوى ذلك فالأصل أنّ رفع اليدين فيه مشروع.[١]
وذهب بعض أهل العلم إلى القول بعدم مشروعية رفع اليدين في الدعاء بعد صلاة الفريضة، فقال ابن باز -رحمه الله-: "في صلاة الفريضة لا يرفع يديه إذا سلم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يرفع يديه في الفريضة، ولم يحفظ عنه أنه رفع يديه بعد الفرائض"،[٢] أما بعد النّافلة فقال بجواز رفعها استدلالاً بالأحاديث العامة، ولكن دون اتّخاذ ذلك عادةً باستمرار.[٣]
ولكنّ الذي عليه أكثر أهل العلم هو جواز رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة، أمّا الحديث الذي يُبيّن فيه أنس -رضي الله عنه- رؤية النبي الكريم رافعاً يديه بالدعاء في صلاة الاستسقاء فقط فهذا لا يدلّ على عدم مشروعية رفعها في الدعاء بعد الصلاة، فكوْن أنس -رضي الله عنه- نفى رؤية النبي رافعاً يديه في غير هذا الموضع لا ينفي رؤية غيره للنبي وهو يرفع يديه في مواضع عديدةٍ أخرى، والمثبت يُقدّم على المنفي.[٤]
حكم رفع اليدين في الدعاء داخل الصلاة
رفع اليدين مشروعٌ في الدعاء عموماً إلا إذا كان الدعاء داخل عبادةٍ أخرى كالصلاة، فلا يُشرع رفع اليدين عند دعاء الاستفتاح، أو الرفع من الركوع، أو في السجدتين والجلوس بينهما، أو قبل التسليم من الصلاة، لأنّ الصلاة عبادة لها أفعال مخصوصة، ولا يُشرع الزيادة عليها دون دليل، ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه كان يرفع يديه في الدعاء داخل الصلاة.[٥]
أمّا رفع اليدين عند دعاء القنوت في الصلاة فقد تعدّدت آراء الفقهاء في مشروعيته، ونذكر أقوالهم فيما يأتي:[٦]
- الشافعية والحنابلة: قالوا يُستحبّ رفع اليدين في القنوت.[٧]
- الحنفية: قالوا يرفع المصلّي يديه لتكبير القنوت ثم يرسلهما.
- المالكية: قالوا لا يُشرع رفع اليدين عند القنوت.
حكم مسح الوجه بعد الدعاء
جاء في مسح الوجه بعد الدعاء حديث عمر -رضي الله عنه-: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا مَدَّ يدَيْهِ في الدُّعاءِ لمْ يَرُدَّهما حتَّى يَمسَحَ بهما وَجهَه)،[٨] وهذا الحديث إسناده ضعيف، ولكنّ بعض أهل العلم حسّنوه بمجموع طرقه، فقد قال ابن حجر -رحمه الله-: "إن مجموع طرقه تُقوّيه حتى يرتقي إلى درجة الحسن، بمعنى: إلى درجة الثبوت".[٩]
وقال في بلوغ المرام: "إن مجموعها يشدّ بعضها بعضاً، وإن كانت ضعيفة فترتقي إلى درجة الحسن، فإذا فعله الإنسان في بعض الأحيان فلا بأس، أما أن يداوم على المسح فالأحاديث ضعيفة في هذا".[١٠]
وبناءً على ذلك قال أهل العلم: لا يُنكر على مَن يمسح وجهه بعد الدعاء خارج الصلاة، أما مسح الوجه بعد اليدين داخل الصلاة -بعد القنوت- فالصواب أن لا يفعله، ولكن لو فعله لا يُنكر عليه؛ لأنّه قد يكون عاملاً بقول مَن حسّن الحديث السابق من العلماء، ولو أخذ المكلّف بتصحيح أو تضعيف الحديث من عالمٍ يُعتدّ به أجزأه ذلك.[٩]
وفصّل النووي في حكم مسح الوجه بعد دعاء القنوت فقال: للعلماء في ذلك رأيان؛ أولهما: مستحبّ، وهو قول مجموعةٍ من الفقهاء، وثانيهما: لا يُشرع، وهو ما رجّحه، وذكره البيهقي والرافعي وغيرهم، لأنّ مسح الوجه في الصلاة لم يثبت بخبرٍ صحيحٍ عن النبي الكريم، ولا بأثرٍ ثابتٍ عن الصحابة والسلف، فالأوْلى عدم فعله داخل الصلاة.[١١]
المراجع
- ^ أ ب "حكم رفع اليدين بالدعاء بعد الصلاة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2023. بتصرّف.
- ↑ الشيخ ابن باز، "حكم رفع اليدين بالدعاء بعد الصلاة"، الموقع الرسمي للشيخ ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2023.
- ↑ الشيخ ابن باز، "حكم رفع اليدين عند الدعاء بعد الفريضة والنافلة"، الموقع الرسمي للشيخ ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2023. بتصرّف.
- ↑ "رفع اليدين بالدعاء عقب الصلاة"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 9/8/2023. بتصرّف.
- ↑ "متى نرفع اليدين بالدعاء ومتى ندعو دون رفع"، إسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 9/8/2023. بتصرّف.
- ↑ الوليد الفريان، القنوت في الوتر، صفحة 127-128. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 481، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عمر رضي الله عنه، الصفحة أو الرقم:1991، سكت عنه وقال في المقدمة رواته ثقات احتج بمثله الشيخان أو أحدهما.
- ^ أ ب محمد الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 35، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، كتاب السنة للبربهاري، صفحة 15، جزء 5.
- ↑ حسام الدين عفانة، فتاوى يسألونك، صفحة 57-58، جزء 1. بتصرّف.