حكم المسح على الجوارب

يجوز المسح على الجوربيْن إذا كانا مُنعّلين أو مجلّديْن باتّفاق الفقهاء، أمّا الجوربان العاديّان فقد تعدّدت الآراء في جواز المسح عليهما،[١] وتوضيح ذلك فيما يأتي:


القائلون بعدم جواز المسح عليهما

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى القول بعدم جواز المسح على الجوربين غير المُجَلَّديْن أو المُنَعَّليْن، وقيل إنّ الإمام أبا حنيفة تراجع عن ذلك قبل وفاته بمدّة كما سيأتي بيانه لاحقاً، واستدلّ القائلون بذلك على ما يأتي:[٢]

  • قال الشافعي إنّ الماء تخرق الجوربيْن العاديين وتصل إلى البشرة، كما أن الجورب العادي يُبيّن صورة القدم، وتُعرف منه الأصابع وظهر القدم والعقب، فكأنّ صاحبها لا يلبس شيئاً يستر قدميْه.
  • قالوا إنّ الحديث الذي استدلّ به القائلون بجواز المسح على الجوربيْن العاديين لم يثبت، ولفظ الجوربين فيه خطأٌ من الراوي، إذ إنّ المقصود هو أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مَسَحَ على الخفّين لا الجوربيْن.


القائلون بجواز المسح عليهما

ذهب الإمام أحمد إلى القول بجواز المسح على الجوربيْن وإنْ كان الحديث المرويّ في ذلك لا يثبت عنده، إلا أنّه استدلّ بفعل الصحابة -رضوان الله عليهم-، فقد ثبت أنّ العديد منهم كانوا يمسحون على الجوارب، ولا يفعلون ذلك إلا لأنّه جائزٌ ومُرخّص، والنّاس تحتاج في كثيرٍ من الأحيان إلى لبس تلك الجوارب خاصةً في البرد؛ لتدفئة القدمين، لذلك رُخِّص المسح عليهما كالخُفَّيْن.[٢]


ويجدر بالذّكر أن الإمام أبا حنيفة كان يقول بعدم جواز المسح على الجوربين، ولكنّه في آخر عمره رجع عن قوله، فمسح على جوربيْه في مرضه، وقال: "فعلت ما كنت أمنع الناس عنه"، فاستدلّ أهل العلم بذلك على رجوعه عن قوله، وتبعهما العديد من العلماء أيضاً، فقالوا بجواز المسح على الجوربين، واستدلّوا بالعديد من النصوص والأدلة الشرعية، ومنها ما يأتي:[٣]

  • عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: (توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسحَ على الجوربينِ والنعلينِ).[٤]
  • ثبت هذا الفعل أيضاً عن العديد من الصحابة -رضوان الله عليهم-، ومنهم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وابن مسعود، وبلال بن رباح، وعمار بن ياسر، وغيرهم -رضوان الله عليهم جميعاً-.
  • قال بالمسح على الجوربين أيضاً العديد من كبار الفقهاء من التابعين والعلماء الأخيار المجتهدين؛ كسعيد ابن المسيّب، والحسن، وعطاء، وغيرهم.


وذهب العديد من القائلين بهذا الرأي إلى أنّ ما اشترطه بعض العلماء من كوْن الجورب يجب أن يكون مجلَّداً أو مُنَعَّلاً أو ثخيناً حتى يصحّ المسح عليه لا دليل صحيح يقوم عليه، ولا توجد نصوص شرعية صحيحة تدلّ على تقييد جواز المسح على الجوربين بهذه الشروط.[٣]


شروط جواز المسح على الجوارب

يُشترط لجواز المسح على الجوربين -عند القائلين بجواز المسح عليهما- عدّة شروط، وهي:[٥]

  • أن يكون لبسهما على طهارة، لقول المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: (كُنْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، فأهْوَيْتُ لأنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقالَ: دَعْهُمَا، فإنِّي أدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْنِ. فَمَسَحَ عليهمَا).[٦]
  • أن يكونا طاهريْن، فلا يصحّ المسح على النّجاسة.
  • أن يكون الجوربان ساتريْن لمحلّ الفرض.
  • أن يكون المسح عليهما في المدّة التي حدّدها الشرع، وهي يومٌ وليلةٌ للمقيم، وثلاثة أيامٍ بلياليها للمسافر.
  • أن يكونا مباحين، فمثلا لا يجوز المسح على الجوربين المسروقين، ولا يجوز المسح على الجوربين المصنوعين من الحرير للرجال.

المراجع

  1. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 497، جزء 1. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ابن جبرين، شرح عمدة الأحكام، صفحة 7، جزء 3. بتصرّف.
  3. ^ أ ب حسام الدين عفانة، فتاوى د حسام عفانة، صفحة 10، جزء 5. بتصرّف.
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم:99، حسن صحيح.
  5. مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 25، جزء 1. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم:206، صحيح.