حكم صلاة الكسوف

اتفق العلماء على أنّ صلاة الكسوف سنة مؤكدة؛ تؤدى عند ظُلمة أحد النيّرين -الشمس والقمر- أو بعضهما؛ مستدلين بالأحاديث النبوية الثابتة في ذلك؛ ففي الصحيحين أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللَّهِ، لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَادْعُوا اللَّهَ وصَلُّوا حتَّى يَنْجَلِيَ)؛[١] كما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنّه: (صَلَّى بهِمْ في كُسُوفِ الشَّمْسِ أرْبَعَ رَكَعاتٍ في سَجْدَتَيْنِ الأوَّلُ الأوَّلُ أطْوَلُ).[٢][٣]


والحكمة من تشريع هذه الصلاة أنْ يُظهر المسلمون عند حدوث هذه الظواهر افتقارهم إلى الله -تعالى- بالصلاة والتّوبة والاستغفار؛ فتكون هذه الأحداث بذلك خيراً لهم، وثواباً وأجوراً في موازين أعمالهم.[٤]


حكم صلاة الكسوف في أوقات النّهي

الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها هي من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشّمس، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشّمس؛ ولقد تعددت آراء أهل العلم في مسألة جواز صلاة الكسوف في أوقات النّهي إلى قولين؛ وهما:[٥]

  • لا يُشرع أداء صلاة الكسوف في أوقات النهي؛ وهو مذهب الحنفيّة، وقول عند المالكيّة، وظاهر المذهب عند الحنابلة، حيث يُقتصر عندهم على الدعاء، والذكر، والاستغفار، والتوبة، والصدقة، ونحوها من الأعمال الصالحة.
  • يُشرع أداء صلاة الكسوف في أوقات النهي؛ وهو مذهب الشافعيّة، وترجيحُ جمعٍ من أهل العلم؛ لأنّها صلاة لها سبب؛ فلا تدخل في النّهي.


حكم تكرار أداء صلاة الكسوف

ذهب جمعٌ من الفقهاء المتقدمين إلى القول بعدم تكرار أداء صلاة الكسوف إذا لم يحدث الانجلاء؛ والذي يكون عادةً بغروب الشمس وهي كاسفة، أو انجلاء جميعها؛[٦] بينما ذهب بعض أهل العلم من المتأخرين إلى القول بجواز التكرار؛ للاستئناس والاطمئنان بهذه الصلاة.[٧]


واستدلّوا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللَّهِ، لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَادْعُوا اللَّهَ وصَلُّوا حتَّى يَنْجَلِيَ)،[١] إذ إنّ عبارة: (حتى ينجلي) دلّت على الاستمراريّة وجواز التكرار برأيهم، وقاسوا ذلك أيضاً عل تكرار صلاة الاستسقاء، والاستخارة.[٧]


أحكام أخرى تتعلق بصلاة الكسوف

يتعلق بصلاة الكسوف عددٌ من الأحكام الشرعيّة، والتي يمكن ذكرها مع بيان حكمها على النحو الآتي:[٨]


  • حكم صلاة الكسوف جماعة

اتفق الفقهاء على جواز أداء صلاة الكسوف جماعة.[٥]


  • حكم صلاة الكسوف لمن سمع به في أرض، ولم يكن ببلده

ذهب بعض العلماء إلى أنّ صلاة الكسوف لا تُشرع إلا لمن شهد الكسوف، وكان حدوثه في البلد الذي هو فيه، فالمواضع التي لا يُرى فيها الكسوف لا تُشرع فيها.


  • حكم قراءة الإمام من المصحف في صلاة الكسوف

أجاز بعض العلماء للإمام الذي لا يحفظ القرآن الكريم أن يقرأ بالصلاة من المصحف؛ لأنّ هذه الصلاة من السنن المؤكدة لا من الفرائض، مستدلين بأمر أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- مولاها ذكوان بالقراءة من المصحف.


  • حكم المناداة لصلاة الجماعة في الكوارث الطبيعية

ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ المناداة لصلاة الجماعة -النافلة- متعلقة بالكسوف والخسوف تحديداً؛ إذ لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه صلى في غيرهما من الظواهر الطبيعيّة، فقد حدث في زمنه -صلى الله عليه وسلم- اشتداد الرياح، وأمر بالصلاة في الرِّحال.


ولكنّه -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر بأداء الجماعة لهذا السبب؛ وبناءً عليه لا يُشرع أداء صلاةٍ للزلازل والبراكين والصواعق ونحوها من الظواهر بصورة جماعيّة، والأولى من هذا الدعاء، والاستغفار، والتوبة والرجوع إلى الله -تعالى-.

المراجع

  1. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم:1060، صحيح.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1064، صحيح.
  3. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 252، جزء 27. بتصرّف.
  4. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 187، جزء 1. بتصرّف.
  5. ^ أ ب عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 446، جزء 1. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 254، جزء 27. بتصرّف.
  7. ^ أ ب عدنان العرعور، ثلاث صلوات عظيمة مهجورة فأحيها يا عبد الله، صفحة 33. بتصرّف.
  8. محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 23-25، جزء 75. بتصرّف.