حكم قطع الصلاة بسبب الوسوسة

لا يجوز قطع الصلاة إلا لضرورةٍ شرعية؛ كحفظ النّفس أو المال ونحو ذلك من الأعذار التي تُبيح قطعها، لأنّ الصلاة لها حُرمة، فمَن دخَل فيها لا يُشرع له أن يخرج منها دون عذرٍ شرعيٍّ يُبيح له ذلك، استدلالاً بقول الله -سبحانه-: (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).[١][٢]


والوسوسة في الصلاة لا تُبيح قطعها، إذْ لم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- مَن جاءته الوسوسة في صلاته وكثُرت عليه حتى لم يدرِ كم صلّى أن يقطع صلاته ويُعيدها، بل أمره أن يبني على يقينه، ويسجد سجود السهو في آخر الصلاة، ولو كانت الوسوسة عذراً يُبيح قطع الصلاة لبيّن النبي الكريم ذلك وأمر به.[٢]


ويدلّ على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أمْ أرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ ولْيَبْنِ علَى ما اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، فإنْ كانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ له صَلاتَهُ، وإنْ كانَ صَلَّى إتْمامًا لأَرْبَعٍ كانَتا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطانِ)،[٣] فإذا شكّ المسلم في صلاته فالأصل أن لا يلفت إلى ذلك، وإنّما يبني على ما غلب عليه ظنّه، ويُتمّ صلاته.[٢]


ولذلك قال بعض أهل العلم: "يجب على الموسوس الذي لم تصل به الوسوسة إلى حد الجنون، ولم تبلغ به المبلغ الذي يفقد معه اختياره أن يحافظ على أداء الصلاة في وقتها، وإذا أخّرها أو قطعها لغير عذرٍ فإنه يأثم، وتلزمه التوبة إلى الله -تعالى-"، فينبغي على المسلم في هذه الحالة أن لا يلتفت إلى وساوسه ويستسلم لها ويقطع صلاته بسببها، بل يُعرض عنها ويُكمل صلاته.[٤]


ومن الأمثلة على ذلك: لو وسوس الشيطان للمُصلّي أنّه لم يُكبّر، فالأصل أن لا يُطيعه المُصلّي بل يُكمل صلاته، ويفعل مثل ذلك في كلّ عملٍ من أعمال الصلاة ما دام كثير الوسوسة والشك، إذْ كلّما أعرض عن هذه الوساوس زاد يأس الشيطان منه حتى يتركه، أمّا إذا استسلم لوساوسه زاد ذلك في كلّ مرةٍ حتى يؤدّي إلى التفكير في قطع الصلاة، وهو الأمر المحرّم الذي يُريد الشيطان أن يصل المرء إليه.[٥]


هل الوسواس يُبطل الصلاة؟

إذا كان الوسواس في الصلاة قليلاً فإنّه لا يُبطل الصلاة، وهذا باتّفاق العلماء، ولكنّه يُنقص من أجرِها، لذلك قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "لَيْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك إلَّا مَا عَقَلْت مِنْهَا"، ولذلك كان من حِكم مشروعيّة النوافل أنّها تجبر الخلل والنقص الذي يحصل في الفريضة.[٦]


ويدل على ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أوَّلُ ما يُحاسَبُ النَّاسُ به يَومَ القِيامةِ من أعمالِهِمُ الصَّلاةَ، قالَ: يَقولُ رَبُّنا عزَّ وجلَّ للمَلائكةِ -وهو أعلَمُ-: انظُروا في صَلاةِ عَبدي أتَمَّها أم نَقَصَها؟ فإن كانتْ تامَّةً كُتِبَت له تامَّةً، وإنْ كان انتَقَصَ منها شَيئًا، قالَ: انظُروا هل لعَبدي من تَطوُّعٍ؟ فإنْ كان له تَطَوُّعٌ، قالَ: أتِمُّوا لعَبدي فَريضَتَه من تَطَوُّعِه، ثمَّ تُؤخَذُ الأعمالُ على ذلكَ).[٧]


أمّا إذا غلب الوسواس على معظم الصلاة فهل يُبطلها؟ وفي الحقيقة تعدّدت آراء العلماء في ذلك، فذهب بعض أهل العلم إلى القول بوجوب إعادتها، وهو قول أبي حامد الغزالي -رحمه الله- وغيره،[٦] وذهب العديد من العلماء إلى القول بإجزاء الصلاة وعدم وجوب إعادتها، لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمَر مَن كَثُرت عليه الوساوس أن يسجد للسهو، ولم يأمره بإعادة الصلاة.[٨]


قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا نُودِيَ بالصَّلَاةِ أدْبَرَ الشَّيْطَانُ وله ضُرَاطٌ، فَإِذَا قُضِيَ أقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بهَا أدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ أقْبَلَ، حتَّى يَخْطِرَ بيْنَ الإنْسَانِ وقَلْبِهِ، فيَقولُ: اذْكُرْ كَذَا وكَذَا، حتَّى لا يَدْرِيَ أثَلَاثًا صَلَّى أمْ أرْبَعًا، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أوْ أرْبَعًا، سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ).[٩]


علاج الوسواس في الصلاة

إنّ أهمّ ما يُعين على علاج الوسوسة والإعراض عنها في الصلاة ما يأتي:[١٠]

  • الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
  • استحضار عظمة الله -تعالى- عند الدخول إلى الصلاة، وجمع القلب واستحضاره.
  • مجاهدة الوساوس ودفعها إذا حضرت، فإن غلبت عليه يستعيذ بالله من الشيطان ويتفل عن يساره، فقد ثبت عن عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- أنّه قال: (يا رَسولَ اللهِ، إنَّ الشَّيْطَانَ قدْ حَالَ بَيْنِي وبيْنَ صَلَاتي وَقِرَاءَتي؛ يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ذَاكَ شيطَانٌ يُقَالُ له: خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ باللَّهِ منه، وَاتْفِلْ علَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا. قالَ: فَفَعَلْتُ ذلكَ، فأذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي).[١١][١٢]
  • التفكير بما يقوله المُصلّي في صلاته من الأذكار، وتدبّر ما يقرؤه من القرآن، وإن شرد ذهنه عن ذلك ردّه للتدبّر.[١٣]
  • عدم الاسترسال مع الوساوس، بل كفّها ومدافعتها والإعراض عنها، لأنّ ذلك يجعل الشيطان ييأس -كما أسلفنا-، ولو رأى إقبالاً عليها زاد في وسوسته.[١٤]

المراجع

  1. سورة محمد، آية:33
  2. ^ أ ب ت "هل يجوز لمن يأتيه شكوك ووساوس في الصلاة أن يقطعها؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2023. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:571، صحيح.
  4. "حكم قطع الصلاة وتأخيرها بسبب الوسواس"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2023. بتصرّف.
  5. "لا يسوغ قطع الصلاة لأجل الوسوسة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2023. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، صفحة 221، جزء 2. بتصرّف.
  7. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:981، صحيح الإسناد.
  8. خالد الصقعبي، مذكرة القول الراجح مع الدليل، صفحة 25، جزء 2. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3285، صحيح.
  10. محمد بن عبد العزيز المسند، فتاوى إسلامية، صفحة 280، جزء 1. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن أبي العاص الثقفي، الصفحة أو الرقم:2203، صحيح.
  12. "هل يجوز لمن يأتيه شكوك ووساوس في الصلاة أن يقطعها؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2023. بتصرّف.
  13. "حكم الوسواس والنسيان في الصلاة"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2023. بتصرّف.
  14. "من غلبته الوساوس حتى ترك الصلاة"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2023. بتصرّف.