حكم من ارتد عن الإسلام

ذهب أهل العلم إلى القول بأنّ من آمن بدين الإسلام مُكرهاً ومُجبراً عليه لا ينفعه إيمانه في الدنيا ولا في الآخرة؛ بل يجب أن يكون الاعتقاد والإيمان الجازم عن رضاً وقناعة وتبصّر؛ فإنْ ارْتدَّ بعد الإكراه فلا يُعتدّ به،[١] أمّا إن كانت الردّة بعد الرضا والقناعة بالإسلام؛ فقد فصّل أهل العلم في هذه المسألة على النحو الآتي:


من وقع في الردّة ولا يُحكم بكفره

ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بأنّ ليس كل مسلم وقع في الكفر يكون كافراً مرتداً؛ فهناك أعذار قد يُعذر بها المسلم ولا يُحكم بكفره، وفيما يأتي بيان موانع التكفير الأربعة:[٢]

  • الجهل.
  • الإكراه.
  • التأويل أو الشبهة.
  • الخطأ.


ويكون الجهل بالدين والردّة عنه بسبب بعد المسلم عن ديار الإسلام، أو أنّه حديث العهد بالإسلام، أو حتى جهله بالأحكام الصحيحة، أمّا الإكراه فيكون تحت الجبر والضغط فينطق المسلم بالكفر ليدفع عن نفسه الضرر، وبالنسبة للتأويل أو الشبهة أن يُفسر المسلم بعض النصوص على غير مرادها؛ مقلداً بذلك بعض الطوائف والملل التي حادت عن الصواب، كما يقع الكفر بالخطأ غير المقصود أو المراد حقيقةً؛[٣] فكل هذه الحالات إن وقعت ضمن ضوابط محددة لا يُحكم بكفر صاحبها، ولا بردّته عن الدين الإسلامي.[٢]


من وقع في الردّة ويحكم بكفره

وهذا في حق من وقع بالكفر بمحض إرادته، وأُقيمت عليه الحجة وتبيّن له أنّ هذا الكفر مُخرجٌ من الملة؛ فأصرّ على فعله طائعاً غير مكره، ومتعمداً غير مُخطئ ولا متأوّل؛ فإنّه يكفر بذلك، ولو كان غرضه من الكفر أو الردّة بدافع دنيويّ كالشهرة والشهوة ونحوها من الأسباب؛ وبهذا حكم أهل العلم،[٤]


وينبغي التنبيه إلى أنّ من وقع بالكفر على هذه الأحوال التي أُشير لها؛ فإنّه يُستتاب أولاً؛ أيّ يُعطى فرصة للعودة والتوبة عن هذا الفعل، فإن تاب عُفي عنه، وإن أصرّ على كفره وردّته قُتل لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: (مَن بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ).[٥][٦]


وتحصل الردّة عن الإسلام بإتيان ناقض من نواقض الدين الإسلامي؛ إمّا بالقول وإمّا بالفعل، أو بالاعتقاد أو بالشك؛ فإن وقعت على سبيل الجزم والإصرار والقناعة حُكم بكفر فاعلها؛ وفيما يأتي بيان ذلك:[٧]

  • الردّة بالقول؛ كأنْ ينطق الإنسان بالكفر صراحةً أو يسبّ الله -تعالى- وأنبيائه وملائكته، أو يتعرّض بالاستهزاء بالصحابة أو شعائر الدين الإسلامي.
  • الردّة بالفعل؛ بأن يسجد لغير الله -تعالى- ويتوجّه إليه بالعبادة، أو أن يعرض عن كل تعاليم الإسلام ويعمل بخلافها، أو أن يتعلم السحر والشعوذة وأعمال الكهنة، ونحو ذلك.
  • الردّة بالاعتقاد؛ بأن يعتقد الإنسان وجود شريك مع الله -سبحانه- في ألوهيته أو ربوبيته، أو صفاته؛ أو يجحد ذلك في حق الله -سبحانه-، أو أن يعتقد اعتقاداً جازماً من غير جهل بتحريم ما أحلّ الله، وتحليل ما حرّمه؛ كالزنا والرّبا ونحو ذلك.


بعض الأحكام المتعلقة بالردّة

بيّن العديد من أهل العلم والاختصاص بعض المسائل التي تتعلق بالردّة والمرتدين، ويمكن تلخيص بعضٍ منها على النحو الآتي:

  • إذا وقعت الردّة من الصبيان، والمجانين الذين لا يفيقون من حالة ذهاب العقل، أو ممّن رُفع عنهم التكليف؛ فلا اعتبار لردّتهم، ولا يُحكم بكفرهم.[٨]
  • تعددت أقوال الفقهاء في ردّة السكران على النحو الآتي:[٩]
  • أن لا اعتبار لردّته، لأنّ الاعتقاد لا يصحّ من السكران في مثل هذه الحالة؛ وهو قول الحنفية وأحد الأقوال عند الشافعية.
  • تقع منه الردّة، لأنّ الصحابة أقاموا حدّ القذف على السكران، كما حكم بعضهم بوقوع طلاقه، فهو أشبه بالناعس لا بالنائم والمجنون؛ لذا تقع منه الردّة في حال السكر؛ وهو قول الحنابلة وبعض الشافعية.

المراجع

  1. صالح بن حميد، تلبيس مردود في قضايا حية، صفحة 28-33. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ناصر العقل، مجمل أصول أهل السنة، صفحة 17، جزء 1. بتصرّف.
  3. محمد صالح المنجد، موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 7011، جزء 5. بتصرّف.
  4. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة العقدية الدرر السنية، صفحة 306، جزء 6. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3017، صحيح.
  6. مجموعة من المؤلفين، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، صفحة 505، جزء 10. بتصرّف.
  7. محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 185-186، جزء 5. بتصرّف.
  8. الجويني، أبو المعالي، نهاية المطلب في دراية المذهب، صفحة 160، جزء 17. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 181-182، جزء 22. بتصرّف.