إنّ صحابة -رضي الله عنهم- خير الناس بعد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بشهادة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وذلك فيما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- من قوله: (سُئِلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)؛[١] فالصحابة -رضي الله عنهم- هم السابقون للإسلام، والحاملون له، وهم الذين نصروا دعوته ونشروه حتّى وصل إلينا، ويجب على كلّ مسلمٍ تقديرهم وإجلالهم والاقتداء بأخلاقهم،[٢] وفيما يأتي بيانٌ لأقوال العلماء في حكم من سبّ الصحابة -رضي الله عنهم-.


حكم سبّ الصحابة

لا خلاف بين العلماء على حرمة سبّ الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- وشتمهم، أو وصفهم بما لا يليق من الأوصاف، وتعدّدت أقوالهم في تكفير من سبّ الصحابة؛ تبعًا لقصد من سبهم، وإن كان ما سبّهم به يقدح في دينهم وعدالتهم، أو كان سبّه لهم في أمورٍ لا تتعلّق بدينهم وعدالتهم،[٣] وتفصيل ذلك فيما يأتي.


حكم سبّ الصحابة بالطعن في دينهم

اتّفق العلماء على أنّ سب الصحابة وشتمهم أو اتهامهم بما فيه طعنٌ في دينهم كاتهامهم بالكفر أو الفسوق أو الردّة؛ هو كفرٌ وخروجٌ عن الدين، سواءً كان هذا الشتم أو الطعن لجميع الصحابة أو لواحدٍ منهم؛ لما في شتمهم والطعن في دينهم من تكذيبٍ للقرآن الكريم الذي شهد لهم برضا الله -تعالى- عليهم، كما جاء في قوله تعالى: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)،[٤] ولما في شتمهم كذلك من تكذيبٍ لسنّةَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- التي شهدت لهم بالخيريَّة والفضل والمنزلة الرفيعة.[٥]


حكم سبّ الصحابة دون الطعن في دينهم

إذا بدر من مسلمٌ سبٌّ أو شتمٌ للصحابة بما لا يدخل في نطاق الطعن في دينهم أو اتهامهم في عدالتهم؛ فلا يُعدّ بذلك كافرًا إلّا أنّه مذنبٌ عاصٍ، ويجب في حقّه التأديب والتعزير من الحاكم؛ لتقصيره في حقّ الصحابة -رضي الله عنهم- من التقدير والإجلال، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وأما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك".[٦]


حكم سبّ أمّهات المؤمنين

إنّ لزوجات النبيّ -عليه الصلاة والسلام- منزلةً خاصَّةً وفضلًا عظيمًا؛ فهنّ زوجات خير البشر -عليه الصلاة والسلام-، وأمّهاتٌ للمؤمنين، وقد أكّد العلماء على أنّ من سبّ أمهات المؤمنين بقذف إحداهنّ؛ فإنّه كافرٌ، ومن اتّهم عائشة -رضي الله عنها- بما برّأها الله -تعالى- منه في حادثة الإفك، أو اتّهم أحدًا من أمهات المؤمنين بالفاحشة؛ فهو كافرٌ، وأنّ من شتم إحداهنّ فإثمه وجرمه عظيمٌ؛ لأنّ في شتمهنّ أو الانتقاص منهنّ إساءةً للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-.[٧]


مواضيع أخرى:

هل يجوز صيام يوم السبت؟

ما حكم إمامة المرأة؟

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:6658، حديث صحيح.
  2. عبد الهادي العمري، الإصابة في الذب عن الصحابة رضي الله عنهم، صفحة 32-36. بتصرّف.
  3. "أقوال العلماء في حكم من سب الصحابة"، إسلام ويب، 11/8/2003، اطّلع عليه بتاريخ 3/8/2022. بتصرّف.
  4. سورة الفتح، آية:18
  5. إبراهيم بن سعد أبا حسين، معجم التوحيد، صفحة 344. بتصرّف.
  6. ابن تيمية، الصارم المسلول، صفحة 586. بتصرّف.
  7. عبد الهادي العمري، الإصابة في الذب عن الصحابة رضي الله عنهم، صفحة 134-152. بتصرّف.