حكم استعمال الكلام الفاحش بين الزوجين

شرع الله -سبحانه- النكاح لمقاصد كثيرة؛ من أعظمها إعفاف النفس عن المحرّمات والفواحش؛ للرجل والمرأة على سواء؛ فكان من سبل إعفاف النفس بالنكاح ما يكون في الجماع ومقدماته، فهو أدعى لغض البصر، وحفظ الفرج، وكفّ النفس عن الحرام، وهو نافع للمرء في دينه ودنياه.[١]


كما أنّه سبب للابتعاد عن فاحشة الزنا بشتى أنواعها؛ فليس الفرج هو العضو الوحيد الذي تقع به هذه الفاحشة؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم- في بيان ذلك: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ علَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أدْرَكَ ذلكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، والنَّفْسُ تَمَنَّى وتَشْتَهِي، والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلكَ أوْ يُكَذِّبُهُ)؛[٢] وهذه الجوارح إن لم تتحصن بالحلال المشروع كانت شاهدة على الإنسان يوم القيامة، وزراً عليه وسبباً لعذابه.[٣]


ومن هنا بحث أهل العلم في مسألة الكلام الحاصل بين الزوجين، مما يُثير الشهوات ويُهيجها، ومما قد يكون فيه بعض الفُحش العرفيّ أو الصريح، وفيما يأتي بيان حكم هذا الكلام:


الجواز

ذهب جمعٌ من أهل العلم إلى القول بجواز الكلام الذي يكون بين الزوجين، حال قضاء الوطر في المعاشرة ومقدماتها؛ مما يُعين على قضاء الشهوة، واستمتاع كل من الزوج والزوجة بما أحلّه وأباحه الله -سبحانه- لهما؛ فليس في هذا نصّ يُقيّد أو يُحدد الطريقة التي يكون بها قضاء الشهوة المباحة، ويكون ذلك من باب حسن التبعّل والمداعبة والمعاشرة.[٤]


كما ذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذكر ألفاظ العورة بين الزوجين؛ سواء باسمها العرفيّ الدارج بين الناس، أو باسمها الصريح المعلوم؛ لا سيما إن كان يؤدي إلى إشباع الرغبات وتحريك الشهوات بينهما؛ وعللوا ذلك بأنّ ذكر الأعضاء وأسماءها لا يستدعي الإثم بين الأزواج، إنّما الإثم على شتم الأعراض، والتعرّض للناس بها.[٥]


أدلة الجواز

وقد استدلّ بعض أهل العلم على ما تقدم بقوله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ...)،[٦]حيث فسّروا الرفث بأنّه الجماع أو ما كان دونه من قول الفُحْش؛ كأن يقول الرجل لزوجته إذا حللت أصبتُك، أو فعلت بك كذا وكذا.[٧]


وفسّره بعضهم بأنّه كل ما يتعلّق بذكر النساء،[٨] ومن إفحاش القول لهنّ بما يريده الرجل من أهله،[٩] وأضاف آخرون بأنّه المغازلة بالكلام، وما يبعث على الحبّ والغرام من التقبيل ونحوه، ومما يُحرك المشاعر بين الزوجين لمزيدٍ من الألفة والمودة بينهما.[٥]


إضافةً إلى ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث ماعز الصحابي الجليل الذي زنى؛ حيث صرّح النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه ببعض الألفاظ، التي لم تكن عادته التصريح بمثلها؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم- للصحابي ماعز -رضي الله عنه-: (... لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أوْ غَمَزْتَ، أوْ نَظَرْتَ قَالَ: لا يا رَسولَ اللَّهِ، قَالَ: أنِكْتَهَا؟...)،[١٠] ومن هنا قالوا إنّ كان الوصول إلى المشروع لا يتمّ إلا بقول مما يُستحى منه عادةً فلا بأس به.[١١]


التحريم

حرّم بعض أهل العلم الكلام الذي يكون بين الزوجين حال المعاشرة إذا أدّى إلى التشبيه بالزانيات، وعاملات السوء المرتكبات للفواحش،[٤] أو أدّى إلى القذف المُحرّم، أو كان من السبّ واللعن، أو جرى إظهاره والتكلّم فيه أمام الأبناء أو غيرهم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ)؛[١٢][١١] أو إذا أدّى استعمال كان هذا الكلام إلى الاعتياد والترخّص فيه من قبل الزوجين؛ حتى يصير ديدناً يردده اللسان في كل مقال.[١٣]


توجيه حكم استعمال الكلام الفاحش بين الزوجين

ختاماً يجدر التذكير بعدد من الأمور الهامّة التي قد يغفل عنها بعض الأزواج في هذه المسألة؛ فالأولى بالمسلم أن يصون فراشه الطاهر عن مثل هذه الأقوال، وهذه الكلمات؛ فلا يجعله شبيهاً لبيوت أهل الفساد والفواحش، كما أنّ الحياء لا يأتي إلا بخير، فينبغي على المسلم أن يعوّد نفسه على عفة اللسان، وعلى الحياء من اعتياد التلفّظ بمثل هذا الكلام.


إذ قد ينتج عن ذلك جمودٌ يُحّول المعاشرة الزوجيّة إلى علاقة جافة باردة لا تتم إلا بمثل هذا الفُحْش، كما أنّ أشدّ ما يُخشى من ذلك استخدام هذا الكلام في غير الجماع؛ عند حدوث المشاحنات والخلافات، وتبدّل القلوب والأحوال، فتكون عاقبة الأمور بذلك سوءاً؛ فالأفضل تقليل استخدام مثل هذه الأساليب بين الزوجين، وإنّ كان لا بدّ، فتكون وفق الحدود والضوابط التي بيّنا.

المراجع

  1. ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، صفحة 359، جزء 4. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6612، صحيح.
  3. سليمان اللاحم، مراقي العزة ومقومات السعادة، صفحة 460. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "حكم التكلم بالكلمات البذيئة حين العملية الجنسية"، مركز الشعاع الإسلامي، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2023. بتصرّف.
  5. ^ أ ب محمد صالح المنجد، موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 814، جزء 6. بتصرّف.
  6. سورة البقرة، آية:197
  7. مجموعة من المؤلفين، موسوعة التفسير المأثور، صفحة 547، جزء 3. بتصرّف.
  8. أبو بكر ابن العربي، أحكام القرآن، صفحة 188، جزء 1. بتصرّف.
  9. القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، صفحة 407، جزء 2. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:6824، صحيح.
  11. ^ أ ب "ذكر ألفاظ حساسة بين الزوجين بالفراش"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2023. بتصرّف.
  12. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:1977، صححه الألباني.
  13. ابن قتيبة، عيون الأخبار، صفحة 45، جزء 1. بتصرّف.