جاءت الشريعة الإسلاميّة حاثَّةً على التجمّل وأخذ الزينة، والاعتناء بحسن المنظر دون مبالغةٍ أو سرفٍ، ووضعت للزينة أحكامًا وضوابط تضبطها، ومن زينة الوجه للرجال: اللحية؛ وهي الشعر النابت على الذقن،[١] وفيما يأتي بيانٌ لحكم حلقها وأقوال العلماء في ذلك، وتوضيحٌ لأحكامٍ أُخرى متعلِّقةٍ باللحية كتهذيبها بالأخذ منها.


حكم حلق اللحية

الحكم العام في حلق اللحية

تردّدت أقوال الفقهاء في حكم حلق اللحية بين القول بالحرمة والقول بالكراهة، وفيما يأتي تفصيل أقوالهم وما استدلّوا به:[٢]

  • القول بحرمة حلق اللحية: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والمالكيّة والحنابلة، والشافعيَّة في قولٍ عندهم إلى حرمة حلق اللحية، واستدلوا على ذلك بما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (خَالِفُوا المُشْرِكِينَ؛ وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ)؛[٣] فجاء الأمر في الحديث بمخالفة المشركين الذين كانوا يطيلون شواربهم ويحلقون لحاهم، ومعنى وفّروا اللحى؛ أي كثّروها وأطيلوها، والأمر يفيد الوجوب.[٤]
  • القول بكراهة حلق اللحية: ذهب الشافعيّة في الأصح من مذهبهم إلى القول بكراهة حلق اللحية.


حكم حلق اللحية للمضطر

أجاز الفقهاء بلا كراهةٍ للمضطر أن يحلق لحيته؛ لأنّ الضرورات تُبيح المحظورات، ومن الضرورات التي تبيح عندهم حلق اللحية؛ حلق اللحية لمريضٍ مصابٍ بمرضٍ من وسواسٍ، أو اضطرابٍ يدفعه لنتف شعر لحيته، وغير ذلك من الأمراض النفسيّة أو الجسديّة التي تضطره لحلق اللحية، إذا وجّه لذلك طبيبٌ مؤتمنٌ ثقةٌ،[٥] قال الله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)؛[٦] فقد رفع الله -تعالى- الإثم والمؤاخذة عن المضطر.


حكم الأخذ من اللحية

يُقصد بالأخذ من اللحية أي تهذيبها بالأخذ من طولها وعرضها، وقد تعدّدت أقوال الفقهاء في ذلك، وآتيًا بيانها:[٢]

  • جواز الأخذ من اللحية: ذهب جملةٌ من الفقهاء ومنهم الحنفيّة والحنابلة إلى القول بجواز الأخذ من اللحية وتقصير ما زاد عن قبضة اليد، وفي قولٍ آخر للحنفيّة أنّ أخذ ما زاد من اللحية عن قبضة اليد سنَّةٌ، واستدلّوا على ذلك بما روي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه كان: (إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ علَى لِحْيَتِهِ، فَما فَضَلَ أَخَذَهُ)،[٣] وقالوا بأنّ الأمر بإعفاء وإطلاق اللحية مقيَّدٌ بألّا يكون في الإفراط في إطالة شعر اللحية تشويهًا لمنظر الإنسان.
  • وجوب أخذ ما زاد عن قبضة اليد: وهو قولٌ عن الحنفيَّة أنّ ما زاد من شعر اللحية عند قبض اليد عليه؛ تجب إزالته.
  • عدم جواز الأخذ من اللحية: ذهب بعض الفقهاء إلى القول بحرمة الأخذ من اللحية، فلم يجيزوا التعرّض لشعرها بتقصير شيءٍ من طوله أو عرضه؛ للالتزامهم بظاهر الأمر النبويّ الوارد في إعفاء وتوفير اللحية، وممّن أخذ بهذا القول الإمام النووي.
  • عدم جواز الأخذ من اللحية إلا إذا تشوّهت لشدة طولها: ذهب بعض الفقهاء إلى استثناء صورةٍ واحدةٍ للقول بجواز الأخذ من اللحية، وهي حالة إفراط اللحية في طولها وعرضها، بحيث يصبح شكلها منفِّرًا أو سببًا لتعريض صاحبها للسخرية، فأجازوا واستحسنوا في هذه الحالة الأخذ من اللحية، وحرّموا الأخذ منها إذا لم يزد طولها على قبضة اليد، ولم يكن طولها وعرضها فاحشًا.



مواضيع أُخرى:

ما حكم إعفاء اللحية؟

هل تخليل اللحية في الوضوء مستحب؟


المراجع

  1. "معنى اللحية"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 28/8/2022. بتصرّف.
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 224-226. بتصرّف.
  3. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5892، حديث صحيح.
  4. "شرح حديث: وفّروا اللحى"، الدرر السسنية، اطّلع عليه بتاريخ 28/8/2022. بتصرّف.
  5. "يجوز حلق اللحية أو تخفيفها إذا اقتضى العلاج ذلك"، الإسلام سؤال وجواب، 25/12/2013، اطّلع عليه بتاريخ 28/8/2022. بتصرّف.
  6. سورة البقرة، آية:173