حكم لبس الباروكة لمرضى السرطان
أفتى جمعٌ من أهل العلم بجواز لبس الباروكة -الشعر المُستعار- لمن ابتُلِيَ بمرض السرطان وفق ضوابط محدّدة، وكذلك لحالات الصلع الدائم، أو الطارئ ونحوها من العيوب المُعتبرة شرعاً؛[١] وقد عدّ أهل العلم أنّ هذا الأمر خاص بالمرأة دون الرجل؛ إذ لا يُعدّ الصلع معيبة في حقّه، على عكس المرأة التي يعدّ الصلع في حقها عيباً ظاهراً يتطلب ستره ضمن ضوابط محددة.[٢]
وذلك استدلالاً بإذن النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابي الجليل عجرفة بن أسعد -رضي الله عنه- باتخاذ أنفٍ من ذهب لمّا انقطع أنفه في إحدى الغزوات؛ وقد اتخذ قبل ذلك أنفاً من ورق فأنتن عليه، لذا أباح له النبي -صلى الله عليه وسلم- استخدام الذهب؛[١] ففي الحديث عن عجرفة -رضي الله عنه-: (أنَّه قُطِع أنفُه يومَ الكلابِ، فاتَّخذ أنفًا من ورِقٍ، فأنتن عليه، فأمره النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فاتَّخذ أنفًا من ذهبٍ).[٣][١]
وينبغي التنبيه إلى أنّ العلماء قد وضعوا عدّة ضوابط وشروط لجواز لبس الباروكة في الحالات المُعتبرة شرعاً، والتي يمكن تلخيصها على النحو الآتي:[٤]
- أن يكون لبس الباروكة للمرأة داخل البيت وأمام المحارم؛ إذ إنّ ارتداءها أمام الأجانب من الزينة التي لا يجوز إظهارها، والمسلمة أمام غير المحارم تلبس حجابها فلا فرق بين كونها تلبس الباروكة من عدمه؛ بمعنى أنّ الباركوة لا تعدّ بذاتها حجاباً.
- اشترط بعض أهل العلم أن لا تكون الباروكة من شعر آدميّ؛ فقد اتفق الفقهاء على عدم جواز الانتفاع بشعر الآدميّ بالبيع أو التعويض؛ لقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...)،[٥] فلا يجوز أن يكون شيءٌ من أجزاء الإنسان مُهاناً مبتذلاً،[٦]
- أجاز بعض أهل العلم من المتأخرين التبرّع بالشعر لجهات موثوقة تقوم بصناعة الشعر المستعار لمرضى السرطان وغيرهم من أصحاب الأمراض؛ على شرط أن يكون ذلك بغاية إصلاح العيب، ورفع الحرج الذي أصابهم، لا لأجل التجمّل والتزين غير المُعتبر.[٧][٨]
- أن لا تكون الباروكة من شعر نجس.
حكم لبس الباروكة للتجمّل
ذهب بعض أهل العلم -من المتأخرين- إلى أنّ ارتداء الباروكة لمجرد الزينة والتجمّل -من غير حاجة مُعتبرة شرعاً- هو من باب وصل الشعر المُحرّم؛ استدلالاً بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه: (لَعَنَ الواصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ)؛[٩] وذلك لما فيه من تغيير خلق الله -تعالى-، والتغرير بإظهار الشعر على غير حقيقته.[١]
ومن الجدير بالذكر أنّ العلماء المتقدمين قد فصّلوا في حكم وصل الشعر على النحو الآتي:[١٠]
- يُحرم وصل الشعر بشعر آدميّ أو نجس؛ سواء للمتزوجة أو لغيرها، وسواء بإذن الزوج أو بدونه، وكره الحنفيّة هذا الأمر دون تحريم.
- إذا كان الوصل بغير شعر الآدميّ، أو بشعرٍ طاهر؛ ففي ذلك تفصيل:
- ذهب الحنفيّة إلى جواز وصل الشعر وتزويد القرون إن كان بغير شعر الآدميّ.
- ذهب المالكيّة إلى عدم التفريق في التحريم بين الوصل بالشعر أو بغيره؛ فالنهيّ عندهم وصل الشعر بالشعر، أمّا الوضع على الرأس -كالباروكة- فلا نهي عنه، فيجوز وضعه بهذه الصورة.
- ذهب الشافعيّة إلى تحريم الوصل لغير المتزوجة، وفي رواية أخرى كراهة الوصل لها؛ أمّا المتزوجة فيجوز لها الوصل بإذن زوجها فقط؛ فإن لم يأذن لها حُرّم عليها ذلك.
- ذهب الحنابلة إلى تحريم وصل الشعر سواء أكان لآدميّ أو لغيره، وبإذن الزوج أو بدونه، ويجوز الوصل للحاجة بالصوف ونحوه على أن لا يكون الوصل بالشعر.
وعلى هذا يظهر أنّ حكم الباروكة -قياساً على الوصل- عند الحنفيّة والمالكيّة الجواز، وعند الشافعيّة للمتزوجة التي أذن لها زوجها الجواز كذلك، أمّا عند الحنابلة فلا تجوز إلا للحاجة فقط.[١١]
بعض الأحكام التي تتعلق بالباروكة
حكم المسح على الباروكة
ذهب جمعٌ من أهل العلم إلى عدم جواز المسح على الباروكة؛ لأنّها لا تُعدّ جزءاً من أجزاء الإنسان، فلا بدّ من المسح على الرأس أو على الشعر الأصلي؛ وبهذا لا يصحّ الاغتسال من الحدث الأكبر أثناء ارتداء الباروكة.[١٢]
حكم الإحرام بالباروكة
أفتى بعض أهل العلم بعدم جواز الإحرام بالباروكة للرجل؛ ومن أحرم بها ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام وهو تغطية الرأس؛ بالإضافة إلى ارتكابه أمراً مُحرماً إن كانت بغير حاجة مُعتبرة شرعاً، ويجب على من وقع منه هذا الأمر الفدية؛ بذبح شاةٍ وتوزيعها على فقراء الحرم، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام.[١٣]
المراجع
- ^ أ ب ت ث ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، صفحة 137، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ "حكم لبس الباروكة للرجل الأصلع"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 27/2/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عجرفة بن أسعد، الصفحة أو الرقم:4232، حسنه الألباني.
- ↑ " لا حرج في لبس الباروكة الصناعية للنساء بشرط التستر عن نظر الأجانب"، دائرة الإفتاء الأردنية، 9/12/2013، اطّلع عليه بتاريخ 9/2/2023. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:70
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 102، جزء 26. بتصرّف.
- ↑ "حكم التبرع بالشعر لمرضى السرطان"، دائرة الإفتاء الأردنية، 2/3/2016، اطّلع عليه بتاريخ 27/2/2023. بتصرّف.
- ↑ محمد صالح المنجد، موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 7689، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم:5936، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 108-109، جزء 26. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1324، جزء 20. بتصرّف.
- ↑ صالح السدلان، رسالة في الفقه الميسر، صفحة 125.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى واستشارات الإسلام اليوم، صفحة 412، جزء 14. بتصرّف.