حكم زواج المسيار

بحث العلماء المعاصرون في حكم زواج المسيار، ونتج عن بحثهم هذا تعدد آرائهم في حكمه؛ وقد استدل كل فريق بعدد من الأدلة في استنتاج الحكم الذي ذهبوا إليه؛ وفيما يأتي تفصيل ذلك:


الجواز مع الكراهة

ذهب جمعٌ من المعاصرين إلى القول بجواز زواج المسيار مع الكراهة؛ وهذا ما أفتى به المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، مستدلين على ذلك بالأدلة الآتية:[١]

  • ما ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ما رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ أَكُونَ في مِسْلَاخِهَا مِن سَوْدَةَ بنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ، قالَتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ، جَعَلَتْ يَومَهَا مِن رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- لِعَائِشَةَ، قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، قدْ جَعَلْتُ يَومِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَومَيْنِ، يَومَهَا وَيَومَ سَوْدَةَ)؛[٢] وفي هذا الحديث إقرار من النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فعلته سودة، إذ إنّها أسقطت حقّها في المبيت؛ وعلى مثل هذا يقوم زواج المسيار -بإسقاط بعض الحقوق كالنفقة والمبيت-.
  • ما جاء عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وجد على صفيّة بنت حيي شيئاً؛ فطلبت صفيّة من عائشة -رضي الله عنهما- أن تُرضّي النبي عنها، مقابل أن تأخذ يومها -دورها في المبيت-؛ فوافقت عائشة؛ فلمّا جاء دور صفيّة جلست عائشة -رضي الله عنها- إلى جانب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لها: (إليكِ عنِّي يا عائشةُ؛ فإنَّه ليس يومَكِ، فقالت: ذلك فَضلُ اللهِ يُؤْتيه مَن يَشاءُ، وأخبَرَتْه بالخبَرِ فرَضِيَ عنها)؛[٣] وفي هذا الحديث إقرار أيضاً من النبي -صلى الله عليه وسلم- لنسائه بالتّنازل عن حقهنّ في المبيت، ليكون من نصيب عائشة -رضي الله عنها-.
  • استدلوا أيضاً بأنّ زواج المسيار؛ عقد زواج مستكمل لكافة الشروط والأركان.
  • قياس زواج المسيار على غيره من أنواع الزواج؛ كزواج النهاريات أو الليليات؛ وهو زواج قائم على أنْ لا يبيت الرجل عند زوجته إلا نهاراً أو ليلاً؛ فمن العلماء من أجازه، وكذلك المسيار.


وسبب قول هذا الفريق من أهل العلم بكراهة زواج المسيار مع الجواز؛ أنّ زواج المسيار لا يحقق الأهداف المنشودة للزواج؛ من المودة والرحمة، والسكن والذريّة؛ إذ لا يقوم الزواج في الإسلام على الأنس والمتعة فقط؛ بالإضافة إلى أنّ في زواج المسيار إهانةٌ للمرأة، وخدش لكرامتها؛ ومع ذلك كلّه فلا شبهة محرمة في هذا الزواج.[٤]


الجواز

أفتى بعض أهل العلم بجواز زواج المسيار؛ على اعتبار أنّه نكاح صحيح، مستوفٍ للأركان والشروط، من توفّر الوليّ، والشّهود، والمهر، ورضا الزوجة وموافقتها، إلا أنّه ليس بصورته الفضلى أو المثلى؛[٥] كما أنّ هذا الزواج لا يختلف عن الزواج الشرعيّ إلا في مسألة تنازل الزوجة عن المبيت كلياً، أو عن بعض أيامه، بأنّ تتّفق مع زوجها على حضوره إليها في أيام محدّدة، إضافةً إلى تنازلها عن النفقة؛ بأن تكون صاحبة مال، غير محتاجة له.[٦]


وقد استدلوا بأدلة القول الأوّل، ولكن دون القول بالكراهة؛ وأضافوا على أنّ الزوجة لها حق التنازل عن حقوقها المفروضة لها بطواعيتها ورضاها؛[٥] ونبّهوا إلى أنْ لا يكون زواج المسيار محدداً بمدة معينة؛ فهذا من صور زواج المتعة المُحرم.[٦]


التحريم

رأى بعض أهل العلم تحريم زواج المسيار؛ وذلك لما يأتي:[٧]

  • إنّ زواج المسيار يتنافى مع مقاصد الزواج التي أقرّتها الشريعة الإسلامية؛ كالاستقرار، والإنجاب، والمودة والرحمة، ونحوها من المقاصد التي قد لا تتوفر في زواج المسيار.
  • إنّ زواج المسيار يتّخذه بعض ضعاف النفوس سبباً للفساد أو الإفساد.
  • إنّ زواج المسار فيه إهانة للمرأة؛ بأنْ تكون حاجة زوجها لها في أوقات وأيام محددة.


تعقيب على حكم زواج المسيار

نظر بعض أهل العلم والاختصاص في الأسباب الداعية إلى زواج المسيار؛ فوجدوا أنّ من هذه الأسباب ما هو مُعتبر، له وجاهته، والذي يمكن معه ترجيح الرأي القائل بالجواز؛ دون نشره، أو تحريض الناس عليه، والعزوف عن الزواج الشرعيّ بصورته ومقاصده الشرعيّة الفضلى؛ ويمكن ذكر بعض الأسباب التي تدعو الرجال والنساء إلى طرق باب هذا النوع من الزواج، على النحو الآتي:[٨]

  • كثرة انتشار المطلقات والأرامل، وصاحبات الظروف الخاصة اللواتي يفقدن معها وجود الرجل.
  • رفض كثير من الزوجات لمسألة التعدد؛ مما يجعل الرجل يضطر إلى مثل هذا الزواج.
  • رغبة بعض الرجال بإعفاف أنفسهم، والبعد عن المُحرمات بما يتوافق مع أحوالهم وإمكانياتهم.
  • غلاء المهور، وتعسير أمور الزواج على الشباب المقبل على الزواج.
  • انتشار بعض العادات التي تُقرّع وتزدري الرجل المُعدّد للزوجات.
  • حاجة بعض النساء إلى إنجاب الأولاد، أو حاجتها لوجود زوج في حياتها.[٩]
  • أن تكون المرأة بحاجة إلى أن تسكن مع والديها؛ للاهتمام بهما، بسبب كبر سنّهما، أو مرضهما.[١٠]
  • أن تكون المرأة غنية لا حاجة لها بالنفقة، أو كبيرة في السنّ لا ترغب في حقّها الشرعيّ؛ كما في حال سودة بنت زمعة -رضي الله عنها-، عندما أسقطت حقّ مبيتها لعائشة -رضي الله عنها-.[١٠]

المراجع

  1. بدر ناصر مشرع السبيعي، المسائل الفقهية المستجدة في النكاح مع بيان ما أخذ به القانون الكويتي، صفحة 232-237. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1463، صحيح.
  3. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:382، قال الألباني رجاله ثقات رجال مسلم غير سمية البصرية هذه وهي مقبولة عند الحافظ.
  4. بدر ناصر مشرع السبيعي، المسائل الفقهية المستجدة في النكاح مع بيان ما أخذ به القانون الكويتي، صفحة 237. بتصرّف.
  5. ^ أ ب عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 50، جزء 11. بتصرّف.
  6. ^ أ ب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، كتاب السنة للبربهاري، صفحة 14، جزء 13. بتصرّف.
  7. بدر ناصر مشرع السبيعي، المسائل الفقهية المستجدة في النكاح مع بيان ما أخذ به القانون الكويتي، صفحة 238-239. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين، نتائج البحوث وخواتيم الكتب، صفحة 302، جزء 4. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 59، جزء 90. بتصرّف.
  10. ^ أ ب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، كتاب الإيمان لأبي عبيد، صفحة 15، جزء 9. بتصرّف.